الاضطرابات فى العالم العربى ودلالاتها بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلى - غابى سيبونى - بوابة الشروق
السبت 28 سبتمبر 2024 6:28 م القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاضطرابات فى العالم العربى ودلالاتها بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلى

نشر فى : الأحد 6 مايو 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الأحد 6 مايو 2012 - 8:35 ص

تفرض الأحداث التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط فى سنة 2011 التفكير فى انعكاساتها على الجيش الإسرائيلى. ويمكننا منذ الآن، الحديث عن بعض تداعيات هذه الاضطرابات المسماة «الربيع العربى»، وذلك على الصعيد العسكرى.

 

قطاع غزة: إن احتمال قيام إسرائيل بشن هجوم على حركة «حماس» ومنظمة الجهاد الإسلامى فى قطاع غزة لايزال واردا فى كل لحظة. بيد أن التحدى الأكبر الذى سيواجهه مثل هذا الهجوم هو الواقع السياسى الجديد فى مصر، الذى من شأنه أن يجعل هذه العملية العسكرية معزولة ومقتصرة على القطاع، فمن المرجح أن تواجه هذه العملية، بمعزل عن هدفها النهائى، ردة فعل حادة من جانب الرأى العام المصرى الذى سيطالب (الحكومة المصرية) بالرد على إسرائيل، الأمر الذى سيقيد الحركة النسبية التى تمتع بها الجيش الإسرائيلى خلال عملية «الرصاص المصبوب». وعليه، يجب القيام بما يلى:

 

على الجيش الإسرائيلى التخطيط للعملية والمناورة وتنفيذها بسرعة لأنه لا يملك الوقت لشن ضربات بقوة نارية مكثفة لفترة زمنية طويلة. من هنا فإن إلحاق أضرار جسيمة بالبنى الإرهابية وبمواقع حركة «حماس» والفصائل الأخرى يتطلب عملا سريعا وضربات جوية ومناورات هجومية فى أرض الخصم، كما يتطلب من الدوائر السياسية المدنية القيام بدور بالغ الأهمية، ألا وهو الدفاع عن مشروعية هذا العمل العسكرى، والعمل المتواصل والمنهجى لتوضيح أهداف العملية أمام الرأى العام الدولى والعربى (بما فيه المصرى)، والتشديد على ضرورتها الملحة كرد على مواصلة إطلاق الصواريخ من القطاع، مثلما يتطلب تنسيقا دائما مع الإدارة الأمريكية.

 

شبه جزيرة سيناء والحدود الإسرائيلية ــ المصرية: إن شبه جزيرة سيناء آخذة فى التحول أمام أعيننا إلى شريط من الأراضى الواقعة تحت سيطرة المنظمات الإرهابية، وذلك بالتوازى مع تراخى قبضة الحكم المركزى المصرى على هذه المنطقة على الرغم من زيادة عديد قوات الجيش النظامى المصرى فيها. ومن شأن بناء الجدار العازل على امتداد الحدود أن يحدّ من نطاق التهريب وتسلل العمال الأجانب، لكنه لن يوقف إطلاق النار على أهداف إسرائيلية. ويفرض عدم الاستقرار فى مصر على الجيش الإسرائيلى إيجاد رد دفاعى لمواجهة السيناريو الأقصى، مثل توغل الجيش المصرى فى شبه جزيرة سيناء خلافا لمضمون معاهدة السلام. لقد سادت على مر الأعوام نظرية مفادها بأن الجيش الإسرائيلى قادر على بناء قدراته مع الأخذ فى الحسبان الإنذار الاستراتيجى من تغير الأوضاع فى مصر. ويبدو اليوم أن الاضطرابات التى تشهدها مصر

 

ومنطقة الشرق الأوسط تشكل إنذارا وتفرض على الجيش الإسرائيلى إيجاد حلول قابلة للتطبيق من شأنها تحسين الرد الدفاعى فى هذه المنطقة، بالإضافة إلى تلبية حاجات المناطق الحدودية الأخرى. وفى غياب موارد إضافية، فإن إحدى وسائل تحسين الرد تتمثل فى زيادة الكفاءة والقدرة على نقل قوات برية بسرعة من منطقة إلى أخرى، فضلا عن تدخل القوات الجوية والبحرية، وذلك من خلال تشكيل قيادات عملانية من دون وجود قوات بحجم لواء، على أن تُشكّل هذه القيادات فى المستقبل على مستوى الفيلق. وتنتشر هذه القيادات العملانية على طول الحدود الجنوبية الغربية لإسرائيل، بحيث تكون مهمتها بناء الجهوزية وجمع الاستخبارات العملانية، الأمر الذى سيمكنها فى حالات الطوارىء من استيعاب القوات القتالية وإشراكها فى المعارك بسرعة.

 

الأردن: على الرغم من شعور الجمهور الأردنى بالتململ، يمكن القول إن المملكة الهاشمية تخطت الاضطرابات فى هذه المرحلة. ويبقى من الصعب معرفة كيف ستتطور الأمور، وبأية سرعة سيتغير الوضع. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحدود مع الأردن مخترقة، ومن المتوقع أن يتم تحويل جزء من الأعمال المعادية نحو الحدود مع الأردن غداة استكمال الجدار العازل على طول الحدود الغربية. ويبدو أن استكمال التجهيزات الملائمة على طول الحدود مع الأردن سيستغرق وقتا طويلا، الأمر الذى يحتم على الجيش الإسرائيلى الاستعداد للرد الأمثل فى هذه الأوضاع. لذا ينبغى أن تتركز الجهود على تعيين مكامن الضعف على امتداد الحدود، وإيجاد الحلول لمعالجتها. وفى الوقت ذاته، يجب دراسة مفهوم شامل

 

للدفاع عن الحدود مع الدول التى تربطها بإسرائيل معاهدات سلام يستند إلى العمل الاستخباراتى، ويستخدم قوات اعتراض قليلة العدد وسريعة الحركة.

 

هضبة الجولان. من غير الواضح ما الذى ستسفر عنه الاضطرابات فى سورية، لكن استمرار الوضع القائم لفترة زمنية طويلة أمر غير معقول، فمن المتوقع حدوث تغيير سياسى فى هذه الدولة. وحتى لو افترضنا أن هذه التغييرات قد تكون إيجابية فى المدى البعيد، إلا أنه يجب أن نتوقع نهاية حقبة الهدوء على طول حدود هضبة الجولان فى المدى القريب. ومن المحتمل أن يعود التوتر إلى الحدود لأسباب عديدة، بدءا من اختراق عناصر معادية لهذه الحدود من جراء فقدان سيطرة نظام دمشق عليها، وصولا إلى محاولات النظام المركزى توتير هذه الحدود من أجل الدفاع عن بقائه فى الحكم. وفى الحالتين، على الجيش الإسرائيلى أن يكون مستعدا لتحول الحدود مع سورية إلى بؤرة للتوتر والإرهاب. ومن المفترض أن يتضمن الرد على سيناريو كهذا تعيين البؤر المعرضة للاضطرابات والاختراقات على امتداد الحدود، وتعزيزها بواسطة استكمال وإصلاح البنى الدفاعية ضد محاولات اختراق «أساطيل الحرية البرية». كما ينبغى للجيش أن يبنى وحدات عسكرية خاصة مهمتها التصدى بفاعلية لأحداث مماثلة عبر استخدام الوسائل الملائمة. ويتطلب انعدام الاستقرار زيادة فى جمع المعلومات الاستخباراتية ووضع قوات فى حالة الجهوزية للعمل بحسب جدول زمنى ملائم، وفى الوقت ذاته يجب تقوية نظام الدفاع المناطقى، والتأكد من كون مستوطنات هضبة الجولان مجهزة وآمنة ومتدربة على سيناريوهات تصعيد مماثلة. أخيرا، ينبغى توثيق التعاون مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة فى المنطقة لأن من شأن هذه القوات أن تلعب دور الوسيط للمساعدة على التهدئة فى حال وقوع حوادث.

 

الساحة الفلسطينية: قد يكون الوضع الأمنى المستقر فى الضفة الغربية خادعا، فالانزلاق إلى المواجهة قد يحدث فى أية لحظة من جراء تقاتل داخلى فى المجتمع الفلسطينى أو نتيجة عدم الاستقرار فى المنطقة، أو قد يكون عملا مقصودا من القيادة الفلسطينية، التى قد تستخدم هذه المواجهة خدمة لمصالحها السياسية.

 

فى جميع الأحوال، على الجيش الإسرائيلى بناء جهوزيته للتصدى لأعمال الشغب والتظاهرات الشعبية الكبيرة التى تذكر بالانتفاضة الأولى. كما ينبغى إعداد قوات وتجهيزها بوسائل غير قاتلة لتفريق التظاهرات وأعمال الشغب الواسعة النطاق. وفى الوقت ذاته، يجب بسط قدرات الدفاع المناطقية للمستوطنات اليهودية واستكمالها، والتصدى لمحاولات الاختراق المنظمة أو العفوية.

 

لم تصل التغييرات الحالية فى منطقة الشرق الأوسط إلى خاتمتها. وقد يفضى مسار التحول الديمقراطى وعزم المواطنين على تحسين شروط حياتهم إلى استقرار راسخ فى المنطقة فى المدى البعيد. لكن، ينبغى لنا ألا نتجاهل الأخطار الكامنة فى هذه التغييرات فى المدى القصير، والتى تتطلب من الجيش الإسرائيلى التحقق من قدرته على تقديم أجوبة على السيناريوهات المتعددة.

 

كذلك يجب على الدوائر السياسية تركيز جهودها من أجل إقناع الأسرة الدولية بإعطاء مشروعية للعمل العسكرى فى المناطق المختلفة. فى نهاية الأمر، وخلال الفترة التى تقوم بها إسرائيل فى بناء قدراتها على التصدى للاضطرابات فى المنطقة، يجب ألا تكون الجهوزية السياسية للحكومة أقل أهمية عن الجهوزية العملانية للجيش الإسرائيلى.

غابى سيبونى باحث فى معهد دراسات الأمن القومى ــ تل أبيب
التعليقات