فساد الأحزمة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 4:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فساد الأحزمة

نشر فى : الإثنين 7 يناير 2013 - 8:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 7 يناير 2013 - 8:05 ص

على الرغم من مرور عامين، تقريبا، على اندلاع الثورة، إلا أننا، حتى الآن، لم نتحدث بجدية فيما حدث خلال ثلاثين عاما من حكم النظام الذى ثرنا عليه، نعم هناك رغبة عارمة لدى البعض فى الإمساك بتلابيب فساد هذه السنوات، لكن المشهد العام يكشف عن حالة عجز كامل عن إدراك ما حدث، الذى نحصد ثماره المريرة هذه الأيام، ومازلت أعتقد أنه من الضرورى أن نفهم جميعا حقيقة ما حدث.. أولا: حتى لا نكرره، ثانيا: حتى نعالج آثاره علاجا صحيحا، ثالثا: حتى يكون الحساب والعقاب على قدر الجرائم التى ارتكبت.

 

ورغم إيمانى العميق، بضرورة الحساب عن كل صغيرة وكبيرة، وعقاب كل من فسد وأفسد فى حق هذا الوطن، إلا أن ما أراه من اتهامات لا يعكس أحيانا، القسوة التى تعرض لها هذا الشعب. فعلى سبيل المثال لا حصر، القضية المثارة هذه الأيام حول اتهام الرئيس السابق وكبار مسئوليه بتلقيهم هدايا من مؤسسة صحفية.. ساعات يد ورابطات عنق ومحافظ نقود جلدية وأزرار قمصان وأحزمة بنطلونات.. إلى آخره من الهدايا التى ترسلها المؤسسات لكبار المسئولين وكبار العملاء فى مطلع كل عام جديد.. أفهم أن هذه قضية إهدار مال عام بالدرجة الأولى يحاسب عنها، بالضرورة، المسئولون عن هذه المؤسسات، أما أن تكون جريمة النظام السابق، الحصول على رشاوى رخيصة (أيا كان ثمن هذه الهدايا) من مؤسسة صحفية.. فهذا ما يجب أن نرفضه لأنه لا يعبر عن حقائق جرائم السنوات الثلاثين الماضية.

 

الجرائم كانت كبرى وبشعة، وفى تقديرى الشخصى، كانت ضد الإنسانية أيضا إن صحت وتحققنا منها، فالجرائم لم تكن أبدا الحصول على الكرافتات والأحزمة، بل فى إمراض هذا الشعب.. أغذية ومأكولات ومزروعات تسبب السرطان، ومياه أصابت نسبة لا بأس بها بالفشل الكلوى، وعجز عن مواجهة أمراض البلهارسيا والكبد، وسوء تغذية أصاب غالبية الشعب، ومستشفيات تستقبل المرضى تهينهم ولا تعالجهم، وسياسات صحية عامة جعلت هذا الشعب مريضا بالفعل. ومدارس تدعو التلاميذ إلزاما ثم تحشرهم فى فصول بالعشرات ولا تعلمهم.. التلاميذ فى مصر، لمن لا يعرف، يذهبون إلى المدرسة ست سنوات كاملة ثم لا يعرفون ما هى القراءة والكتابة.. والشرطة كانت تقبض على أمهاتنا وشقيقاتنا من أجل إجبار المتهم على تسليم نفسه أو الاعتراف بما لم يفعله.. كل هذا على سبيل المثال لا الحصر.

 

أى إن النظام كان يقدم للمجتمع مواطنا مريضا جاهلا مقهورا غير قادر على العمل والإنتاج، وإذا أفلت مواطن من كل ذلك تداهمه سياسات أخرى وتضعه بقسوة فى سوق العاطلين حزينا مكتئبا.. وربما متطرفا.

 

هذه هى الجرائم التى يجب أن نواجهها وألا نكررها، وطبعا نعاقب أشد العقاب من ارتكبها.. لكن أن تكون قضيتنا ساعات وكرافتات أو أحزمة بألف جنيه ومحافظ بألفى جنيه.. فهذا يعنى أن المشوار مازال طويلا حتى تحقق الثورة أهدافها لأن الثورة لم تندلع بسبب فساد الأحزمة فهذه فلسفة «الجبنة النستو» التى على ما يبدو شاعت فى البلاد دون أن ندرى

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات