القسوة والخديعة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الإثنين 20 مايو 2024 12:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القسوة والخديعة

نشر فى : الجمعة 7 فبراير 2014 - 4:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 فبراير 2014 - 4:00 ص

من أخطر الظواهر التى يتعرض لها الشعب المصرى منذ فترة طويلة، ولا تشغل بال المسئولين ولا قادة السياسة، ولا حتى رجال الإعلام، ظاهرة «الشعور بالقسوة» من الجميع وعلى الجميع، وهى ظاهرة طبيعية ومفهومة فى ظل الأنظمة الاستبدادية، لكن استمرارها بعد ثورة هو الأمر غير المفهوم والمحير، فالثورات تندلع بالأساس ضد الظلم والفساد والقسوة التى تمارسها هذه النوعية من الأنظمة على شعوبها، وغالبا الشعب اعتقد أن القسوة ذهبت بل رجعة مع صباح الثانى عشر من فبراير، وأن ممارستها بأى شكل أو طريقة صار غير ممكن ولا جائز ولا مسموح به، إلا ما شاهدناه كشف غير ذلك، بل إن غالبية من المواطنين أحسوا أن القسوة زادت عليهم ممن اعتقدوا أنهم الثورة، خاصة فى ظل إراقة الكثير من الدماء، وترهيب فئات عديدة من المجتمع، مع استمرار ممارسة القسوات المعتادة التى كان الشعب متعايشا معها قبل يناير ٢٠١١.

القسوة، للأسف الشديد، لم تعد مرتبطة فقط بممارسات الدولة وأجهزتها، وإنما امتدت لقطاعات سياسية وشبابية، وتبدأ من القسوة اللفظية والمعنوية حتى تبلغ القسوة الجسدية التى تصل إلى إزهاق الأرواح بكل سهولة ورخص، وكل يجد تبريرات عديدة لأفعاله تلك، دون أن يلتفت أحد أن كل ما يتحدث فيه ويطالب به، ويستند عليه، هو من أجل هؤلاء الناس الذين يقسو عليهم ويقتلهم أحيانا، والمشكلة أن الناس يتنامى لديها هذا الإحساس يوما بعد آخر، دون أن يتراجع أحد عما يفعل، أو يرق قلبه حتى ولو لبعض الوقت، فالاستقطاب صار سيد الموقف، وصار قائدا لكل قسوة تمارس على الضحايا من أبناء هذا الشعب.

الرفق بهذا الشعب صار ضرورة، وواجبا على كل من بيده ذلك، فالجراح غائرة وممتدة، ويكفى أن نشير إلى أن هذا الشعب الذى يموت أبناؤه (فطيس) منذ عدة سنوات، أنهكه الفقر والمرض، وينتظر أى لحظة ترفق به وبأحواله، وعلى سبيل المثال، فقد أسرته كلمات السيسى التى جاءت فى وقت شديد القسوة، وهو ما يعكس عطش الشعب لذلك، حتى لو بالكلمات الطيبة الصادقة، فما بالنا لو أن أحدا ترفق به فعلا وبحث عن كيفية إطعام الجائع وعلاج المريض وتشغيل العاطل وتعليم الجاهل؟ ماذا لو جاء من يقدر على تحقيق كرامة كل مواطن ومنحه الشعور الكامل بالطمأنينة والإنسانية، وأن الدولة تحنو عليه فعلا وتشاركه مقاومة قسوة الظروف؟ ماذا لو أحس المواطن أن من يحكمه هو يد حانية عليه، لا باطشة به.

هناك فارق ضخم بين خطاب القسوة وخطاب الرحمة، وما شهدته مصر مؤخرا يزيد عناء المواطن وخوفه ممن حوله، والمصيبة أن رجال السياسة لا يشعرون بذلك، بل يتشاركون فى ممارسة القسوة على هذا الشعب وإهانته، والمؤلم أن جميعهم يتحدثون باسم الثورة، والثورة طبعا بريئة من كل ذلك، القسوة كانت واضحة عند الجميع وضد الجميع، ولا يعتقد أحد أنه عندما يصف الشعب بأنه عبيد البيادة بأن هذه ليست قسوة، أو أن نؤكد لهم أن مستقبلهم أسود، أن هذه ليست قسوة، أو حتى نهمل آلامهم ولا نلتفت لأحلامهم فهذه أيضا قسوة، ومثلما ثمة فارق بين خطاب الرحمة وخطاب القسوة، هناك أيضا ثمة فارق بين خطاب الحقيقة وخطاب الخديعة.. وأقسى أنواع القسوة.. تلك القسوة التى يمارسها البعض مغلفة بالخديعة، وهذا ما نراه صباحا مساء.. خاصة وأن الخديعة فى حد ذاتها قسوة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات