تزامن إعلان التعداد السكانى المصرى مع زيادة تاريخية فى الدين الخارجى، منها زيادة تقترب من 25 مليار دولار فى العام الاخير فقط، عام «الاصلاح الاقتصادى»، وفرض الضرائب، وزيادة الاسعار، ومحاولات جذب الاستثمار، وبناء العاصمة الادارية، والطرق بعرض وطول مصر، ليصبح السؤال هل يجدى البناء بالاستدانة؟ أرقام الدين الخارجى تتطور بشكل مذهل وتقترب من 100 مليار دولار فى حالة حصول الدولة على قروض جديدة، تستعد لطلبها مع إتمام القرض الروسى المرتبط بإنشاء المفاعل النووى، مع دين داخلى لا يقل خطورة.
رجال الحكومة يقولون لسنا فى خطر وفى منطقة الأمان «إجمالى الناتج القومى، ومقارنته بالدين الخارجى لم يتجاوز 20%» قاعدة يستندون إليها، مع جملة تقارير لمؤسسات تحسين التصنيف، تجعلهم لا يبالون بخطورة أن يكون كل فرد من ال 100مليون مواطن، مديون بنحو 50 ألف جنيه والزيادة مستمرة ليست فى السكان فقط، بل فى تراكمات الدين وفوائده.
رئيس الدولة قبل عام من الآن حذر من خطورة استمرار زيادة الدين الخارجى، وفى اجتماع معلن أكد ضرورة البحث عن وسائل أخرى، لكن الواقع يؤكد أننا نسير فى طريق يحمل الإشارة الحمراء، دون معرفة كيف نوقف تلك الاستدانة، وكيف نسدد ما علينا من ديون؟ إلا إذا كنا نكرر ما فعله السابقون من حكام الجمهوريات من إعلان ارقام وهمية والاجيال التالية تتحمل، ونعيد سيناريو سنوات الوعى الزائف.
أصبح من الثابت فى بيانات وزارات الحكومة وجهاتها، إرسال بيانات تؤكد التحسن فى مؤشرات اعمالها، وهو بالفعل يحدث فى عدد من القطاعات، واشادة من مؤسسات وصحف عالمية، لكنها تتجاهل خطة سداد ما عليها من التزامات وتشغيل ما تمتلك من مؤسسات لتحقيق فوائض تسد الدين، وتكفى المصريين من العوز واستمرار الدين، الذى لا ريب يؤدى حسب القواعد المعروفة ــ لا قدر الله ــ إلى الإفلاس.
دولة مثل اليونان فى الاتحاد الاوروبى، قبل شهور من الازمة المالية العالمية فى 2008 كانت مؤسسات التصنيف العالمية تشيد بقدرة اقتصادها، وحدث بعدها ما حدث من افلاس وضياع وتهديد الحلم الاوروبى، فليست كل التقارير التى تتحدث عن الإشادات كلها خير «ليس كل ما يلمع ذهبا» وحروب الجيل الرابع تلك المؤسسات ليست بمنأى عنها.
روشتة علاج الدين الخارجى واضحة، جوهرها «التشغيل والانتاج فقط» لا المعونات ولا القروض فهى لا تبنى أوطانا، ونحن عملنا على تقييد الاستيراد وهو امر جيد جدا لكننا نتجاهل حتى الآن خطورة توقف المصانع وعدم وجود استثمار مباشر، يوفر فرص عمل ويخلق منتجات وطنية، وإن كانت تقارير صندوق النقد الاخيرة فى صالحنا فلا نعلم المستقبل فيها، خاصة مع استمرار شعار قدرتنا على عمل «الفسيخ شربات».
لو كان لمواطن مصرى حق النصحية التى هى ضالة المؤمن لحكومة دولته، أتمنى منهم توقف المشروعات الكبرى التى تعتمد فى الاساس على تكبير الحيز العمرانى السكنى الفاخر، وجعل التشغيل وبناء المصانع وتأهيل العمال واحلال المعدات بدخول التكنولوجيا، وزيادة التصدير هى اولويات المرحلة المقبلة، مع تحسين حياة المواطن والسيطرة على الاسعار وحرية السوق لصالح المنافسة، وليس لتحقيق مكاسب لصالح مؤسسة واحدة؛ لأنها وقتية وتضرب المواطنة على المدى الطويل.
مراحل الازمات الاقتصادية التى حدثت فى دول شرق آسيا وامريكا اللاتينية مع تزايد الديون، دفعت شعوب تلك الدول الفاتورة من تقشف وانكماش وقيود على حركة رأس المال وسياسة نقدية متشددة وإعادة هيكلة وخصخصة وفتحًا للأسواق، حدث بعدها تحسن اقتصادى نرجو أن نكون ذاهبين فى ذلك الاتجاه.. ولسنا فى الطريق إلى اليونان.. وعلينا أن نتذكر أن «الدين همٌ بالليل ومذلة بالنهار».