الفقر عدو الرئيس الجديد.. والوطن - صلاح ابو الفضل - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 7:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفقر عدو الرئيس الجديد.. والوطن

نشر فى : السبت 8 فبراير 2014 - 5:15 ص | آخر تحديث : السبت 8 فبراير 2014 - 5:15 ص

بإقرار الدستور يكون المصريون قد وقعوا عقدا اجتماعيا جديدا، وأكدوا العزم على العودة للاستقرار وبدء عملية النهوض بالبلاد على أسس جديدة. وعلينا الآن أن نسأل ما الذى نريده من الزعيم الجديد. لا يصح أن نطلب منه أن يحمل العبء عنا ويتوكل على الله، بل يجب أن نخبره بما نريد ونختبره فيما ينوى. والرئيس القادم يواجه مشكلة أساسية يعانى منها أكثر من نصف المصريين وهى الفقر، تتفرع عنها وتتقاطع معها مشكلات عدة أهمها المشكلة الاقتصادية، والإرهاب، ثم توجهات السياسة الخارجية.

وبالنسبة للمشكلة الاقتصادية، وهى تلوح فى الأفق، فإن زاوية التعامل معها تكتسب أهمية قصوى، ويتطلب ذلك رؤى جديدة وأفكارا غير تقليدية لا تدور فى فلك صندوق النقد ولا ترتكز على المعونات ورفع الدعم، وهى حلول تخدم الأغنياء لكنها لا تقضى على الفقر. إن على الرئيس الجديد أن يعلن انحيازه للفقراء حين يتعامل مع المشكلة الاقتصادية. عليه أن يتبنى المشاريع العملاقة لتشغيل أكبر عدد من الناس، مشاريع تهدف لبناء المدن والقضاء على التكدس السكانى الذى يهدد روح الوطن ومستقبله، وتخلق نشاطات جديدة تنخرط بشبابه فى منظومة عمل وإنتاج شاملة. ويستتبع ذلك ضرورة تغيير نسب التعليم الحالية، وهو تعليم محدود القيمة بسبب فقر الإمكانات، يخرج أنصاف متعلمين لا يصلحون لإحداث الطفرة الصناعية والتكنولوجية التى تحتاجها البلاد. إن على الرئيس الجديد أن يبادر بتحويل نصف التعليم العام إلى تعليم فنى فى إطار خطة طموحة ترتبط فيها المدارس والمعاهد الفنية بالوحدات الإنتاجية المختلفة، بهذا تزداد الأيدى العاملة الماهرة فى كل المجالات وينخرط الشباب فى الأعمال المنتجة من سن صغيرة فيزداد الدخل القومى وترتفع معنوياتهم وثقتهم بالنفس.

<<<

المشكلة الثانية: هى الإرهاب الدينى الذى لا يزال يشكل خطرا آنيا يتهدد الوطن والمواطنين. إن القضاء على التفكير الدينى المتطرف والمتخلف يتطلب بالدرجة الأولى أن يعمل الرئيس الجديد على رفع المستوى الاقتصادى والاجتماعى للمصريين الذين يرزحون تحت خط الفقر، وقد ثبت أن الفقر هو البيئة الخصبة التى تنمو فيها الأفكار التواكلية والجهالات الدينية السطحية التى تفرخ سلوكيات الإرهاب. إن علينا جميعا أن نواجه حقيقة أن فقر المصريين أصبح خطرا مباشرا على الأمن القومى ذاته ولن يمكن التصدى للفكر المتطرف إلا إذا أصبح المواطن قادرا على العمل وكسب قوته بيمينه ولم يعد عرضة للابتزاز بمعونات تستغل فقره وحاجته، وتتسلل إلى عقله وفكره بسبب هذا الفقر. إن مصر بحاجة لرئيس يؤمن بأن العدالة الاجتماعية ليست ترفا ولا مكرمة ولكنها ضرورة حيوية للنهوض بالبلاد وللقضاء على الفكر التواكلى المتطرف للإخوان والسلفيين والتكفيريين.

<<<

ثالثا: فإن مشاكل الأمن القومى المصرى خطيرة ومتشعبة والتصدى لها يتطلب رؤى جديدة وشجاعة، وهى ترتبط بالأخطار التى تتهدد سلامة الحدود شرقا وغربا، كما ترتبط بسلامة الأمن المائى للبلاد جنوبا. إن الرئيس الجديد سوف يواجه فور انتخابه موقفا فى غاية الحساسية والصعوبة فيما يتعلق بالمياه، وسيحتاج لتأييد المصريين وثقتهم فى التعامل مع هذه المشكلة. وفى هذا الإطار فهو مطالب باستعادة الدور الإيجابى لمصر فى أفريقيا وبالذات استعادة العلاقات الحميمة مع إخوتنا فى السودان. إن وحدة فيدرالية مع السودان وجنوبه يجب أن تكون أحد الأهداف الحيوية للسياسة الخارجية المصرية، كما أن تعاونا وثيقا مع دول حوض النيل بما فيها إثيوبيا يجب أن يكون هدفا مماثلا دون ضعف أو تهاون أو تفريط فى الحقوق القانونية والإنسانية للدولة المصرية ولسلامة شعبها.

<<<

إن الرئيس سيحتاج لإعادة صياغة مفهوم الشعب المصرى لمعاهدة السلام مع إسرائيل من منطلق الثقة بالنفس وإدراك المصالح الحيوية المستقبلية لمصر دون التقيد بالشعارات العاطفية التى تحجب الرؤية. فالمعاهدة كانت وستظل صمام أمن لمصر، لكن المنظور المصرى لعملية السلام مع اسرائيل ينبغى أن يخرج من الثلاجة التى وضعه فيها النظام المباركى. لقد دخلنا السلام وتصورنا أننا بذلك لن نتبادل مع إسرائيل إلا رسائل المجاملة الدبلوماسية وحوارات المخابرات السرية ومفاوضات سلام لا تنتهى مع الفلسطينيين. لكن إسرائيل أثبتت حيوية شديدة ونزعة لا تخفت للتحايل على المصالح المصرية مستغلة عزوف المصريين عن التقارب معها وخوف إدارة مبارك من المواجهات العسكرية، فشرعت فى ابتزاز هذه الإدارة وإرغامها على التزام الصمت حيال انتهاكاتها الصامتة للمصالح الحيوية المصرية. حدث هذا فى الجنوب، وهناك شواهد على أيد إسرائيلية خفية ليست بعيدة عن مشاريع المياه الإثيوبية التى تهدد حياة المصريين، ثم حدث فى البحر المتوسط عندما اعتدت إسرائيل على المياه الإقليمية، وهى الآن تسحب الغاز من قاع البحر فيما يعتقد أنه مياهنا الإقليمية. إن على صانع القرار المصرى أن يتمسك باتفاقية السلام لكن عليه أن يواجه إسرائيل بانتهاكاتها لروح المعاهدة. إن سياسة خارجية جديدة تتسم بالحيوية والمبادرة وفوق ذلك بالثقة بالنفس أصبحت ضرورة لابد منها فى التعامل مع الطرف الإسرائيلى الذى استغل السنوات الثلاثين الماضية فى كسب مواقع كثيرة وإزاحة مصر من مواقع أكثر.

<<<

إن الرئيس القادم بحاجة لتفويض واضح من المصريين ولكى يكون التفويض واضحا علينا أن نكون واضحين مع أنفسنا كشعب وكنخبة فيما نريد. إن حوارا مجتمعيا جادا وهادئا يجب أن يدور حول ماهية العدالة الاجتماعية التى لاكتها الألسن ملايين المرات ويكاد كل من يلفظ بها يعنى شيئا مختلفا عن الآخرين. إن نداءنا للمشير السيسى لابد وأن يقترن باستعداد الأغنياء منا لدفع فاتورة النهوض بالفقراء من أجل تقدم ورقى حقيقيين لمصر ومن أجل مجتمع تختفى فيه ظواهر التفكير الدينى البدائى من تواكل وسطحية وعنف. ولعل الإعلام والمثقفين أن ينخرطوا فى هذا النقاش بدلا من تضييع الوقت فيما لا طائل من ورائه.

صلاح ابو الفضل طبيب نفسى مقيم فى المملكة المتحدة
التعليقات