أشفقت على الزميل والصديق يحيى قلاش ومعظم أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وهم يواجهون أصعب اختبار مروا به طوال مدة مجلسهم، وربما منذ أزمة القانون الشهير ٩٣ لسنة ١٩٩٥. مساء السبت الماضى ذهبت للنقابة وشاهدت جزءا من عملية كتابة وصياغة البيان الذى صدر مساء اليوم نفسه متضمنا التهدئة وتأجيل المؤتمر العام إلى الثلاثاء بعد المقبل، والتخلى عن تحميل رئيس الجمهورية أى مسئولية عن اقتحام قوات الأمن لمقر نقابة الصحفيين يوم الأحد قبل الماضى لإلقاء القبض على زميلين كان قد صدر بحقهما أمر ضبط وإحضار من النيابة.
رأيى فى هذه الأزمة واضح وكتبته هنا مرارا، وكررته فى أكثر من لقاء تليفزيونى بأن الشرطة أخطأت خطأ كبيرا، وهى التى تسببت فى الأزمة، وربما صنعت كمينا لاصطياد النقابة بأكملها، مستغلة حكاية الزميلين، خصوصا ان نقيب الصحفيين كشف أنه طلب من أجهزة الأمن التنسيق مسبقا لتسليم الزميلين. لا نريد أن نبكى على اللبن المسكوب وننكأ الجراح مرة أخرى.
خلال وجودى بالنقابة لفت نظرى محاولات بعض الزملاء الضغط على النقيب والمجلس لاستمرار التصعيد ليس فقط ضد الشرطة ولكن ضد كل أجهزة الدولة.
أقدر حماس الزملاء جميعا، خصوصا الشباب صغار السن، الذين شعروا بالإهانة وانتهاك كرامة نقابتهم. لكن الصوت العالى والصراخ وحده لا يصلح بمفرده لإدارة مثل هذه الأزمات.
سمعت قلاش يهدد بالاستقالة أكثر من مرة بعد ان ضغط عليه بعض الزملاء أكثر مما ينبغى، وهم لا يدركون حقيقة الصورة الكاملة.
أسهل شىء فى مثل هذه المواقف أن تتهم زميلك ــ إذا تحدث بلغة العقل والمنطق ــ أنه خائن وعميل وأمنجى وباع القضية، وإذا كنت مهذبا تتهمه بأنه مجرد منبطح ومتردد ويمسك العصا من المنتصف!!.
تقديرى الواضح أنه إذا كانت بعض أجهزة وزارة الداخلية نصبت فخا للنقابة، فإن الأخيرة وقعت فيه بمنتهى السذاجة.
حدث ذلك أثناء انعقاد الاجتماع الحاشد لأعضاء النقابة يوم الثلاثاء قبل الماضى، حينما تم حشر اسم رئيس الجمهورية ومطالبته بالاعتذار وبعض الصياغات الأخرى.
لم يكن هناك اتفاق على هذا البند بالمرة فى اجتماع مجلس النقابة مع رؤساء التحرير وكبار الكتاب ولم تكن هناك جمعية عمومية رسمية ولم يكن هناك تصويت. كان هناك فقط حماس يمكن تقديره، لكن هذا الحماس اختلط ببعض الانفعال، مع قليل من سوء نية البعض، ومحاولة تصوير الأمر باعتباره معركة سياسية بين الصحفيين وكل الدولة. وهنا كان الكمين الثانى، خصوصا أن المتربصين بالنقابة استغلوا كل الثغرات من بعض الهتافات المسيئة إلى إدخال بعض الفضائيات الإرهابية لتبث مباشرة من داخل النقابة. وبالتالى لم يكن من الحكمة أن يترك مجلس النقابة الانفعال يقود القرارات.
وحتى لا نتحدث فى الماضى، فإن الدرس المستفاد ان الحماس وحده لا يكفى فى مثل هذه الأزمات، بل ينبغى أن يكون هناك عقل حاكم، يشرح للزملاء الصحفيين خصوصا الشباب كل جوانب الأزمة ليتخذوا القرار السليم.
مرة أخرى ينبغى أن يصر الصحفيون على الحصول على اعتذار من وزارة الداخلية عما حدث، وأن تتوقف الحملة الممنهجة والخبيثة لشيطنة النقابة والصحافة. وفى المقابل ان يدرك الصحفيون أنهم ليسوا بمفردهم فى البلد، وان الطرف الثانى نجح إلى حد كبير فى تشويه صورتهم لدى قطاع لا بأس به من الشعب، وان المعركة ليست سياسية وليست ضد الدولة أو رئيسها، بل وليست ضد وزارة الداخلية فى المجمل. هى معركة ضد تصرف صدر من شخص أو إدارة أو قطاع فى وزارة الداخلية.
ليس من الحكمة ادخال النقابة فى معركة كسر عظم مع الجميع، ثم انها لا تملك أدوات ذلك، خصوصا فى ظل الوضع الراهن من تراجع فادح فى الحريات مصحوبا بأزمة اقتصادية خانقة وعمليات إرهابية متصاعدة. والأخطر وجود أطراف تريد تركيع النقابة.
تتشرف نقابة الصحفيين بأنها تدافع عن الحريات، لكن لا ينبغى عليها أن يتم استغلالها لحساب أى طرف أو حزب أو تيار.
هذا الوقت يحتاج إلى إعلاء صوت العقل ليس فقط، فى النقابة بل فى كل مؤسسات الدولة التى ينبغى أن تمد يدها وترد بصورة أفضل على بادرة التهدئة وحسن النية التى قدمتها النقابة ليلة السبت الماضى.