ننجو أو نهلك جميعـًا - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ننجو أو نهلك جميعـًا

نشر فى : الجمعة 8 يونيو 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 8 يونيو 2012 - 8:45 ص

يحتاج الإخوان لكل الفصائل السياسية للنجاح فى الانتخابات، وللمشاركة فى إدارة الدولة بعدها، كما تحتاج هذه الفصائل إلى الإخوان لمنع الردة الكاملة لنظام مبارك، ولو لم تدرك الأطراف ذلك فستلحق المصيبة بالكل.

 

فوصول رئيس وزراء مبارك لجولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية يعكس أخطاء جمة وقعت فيها القوى السياسية، ولكنه أيضا يثبت ــ بما لا يدع مجالا للشك ــ أن دولة مبارك لا تزال حية قوية، وأن قوتها سمحت لا بحماية مرشحها من قانون العزل السياسى فحسب، وإنما باستخدام شبكاتها على الأرض، بما فيها مؤسسة المصالح الاقتصادية المرتبطة بالحزب المنحل ومؤسسة أمن الدولة ــ والتى لم تنجح الثورة فى تفكيكها ــ فى إيصاله لجولة الإعادة.

 

والسيناريوهات المطروحة مقلقة، فنجاح شفيق يعنى العودة الكاملة لنظام مبارك، إذ سينشغل فور وصوله للقصر بترميم مؤسسة القمع الأمنية، والدفاع عن الهياكل المستبدة للدولة، وضمان عدم إدخال الدستور أى تعديلات على بنيتها، فيما سيترك مهمة تشكيل الحكومة ــ كما صرح ــ لأصحاب الأغلبية البرلمانية، مع تحكم نظامه الكامل فى المفاصل الحيوية التى يمكن من خلالها اصطناع المشكلات، كملفات السولار والبوتاجاز ورغيف الخبز، وهى كفيلة بإسقاط أى حكومة شعبيا، فتسقط القوى الشعبية الصاعدة فى عين قواعدها.

 

ولا يختلف المشهد كثيرا فى حالة فوز مرسى، إذ ستحاصره أجهزة الدولة العميقة ولن تتعاون معه، وستستخدم ذات الملفات لإفشاله، وربما تضيف إليها ملف الفتنة الطائفية لفتح الباب أمام انقلاب عسكرى ناعم أو خشن، يجرد ــ مرة أخرى ــ القوى الشعبية من قواعدها، ولا يبقى على الساحة لاعبا إلا رجال مبارك ومعارضتهم المستأنسة.

 

والخاسر فى السيناريوهين ليس الإخوان فحسب، فقصدهم بالإفشال لا علاقة له بتوجههم السياسى والفكرى، وإنما بكونهم التنظيم الوحيد المنتشر على الأرض، والأقدر (ولا أتحدث عن الرغبة) على حشد الجماهير فى مواجهة النظام، وعلى الفعل السياسى المتجاوز للاحتجاج، ومن ثم فإن سقوطهم بهذا الشكل لن يفتح الباب أمام صعود قوى أكثر تركيبا وعمقا، أو أكثر قربا من الفصائل الوطنية الأخرى، وإنما سيفتح الطريق لإعادة بسط نظام مبارك، بتحالفاته الإقليمية والدولية، وإهداره لقيمة المصريين وكرامتهم.

 

والمدخل لإفشال هذين السيناريوهين هو الاصطفاف الثورى والتوافق بين القوى الراغبة فى تغيير نظام مبارك، وهو مطلوب أولا لإسقاط شفيق، إما عن طريق قانون العزل السياسى أو الانتخابات، واستمرار الاصطفاف لما بعد هذه المعركة ضرورى، سواء سقط شفيق أو نجح، فأما فى حالة سقوطه فإن الإطار الوطنى الواسع يعطى الحكام الجدد غطاء شعبيا يمكنهم من تفكيك ــ وإن جزئيا ــ الدولة العميقة، وإعجازها عن شل الدولة لإسقاط الحكام بالوسائل السابق الإشارة إليها.

 

وأما فى حالة نجاح شفيق، فإن استمرار الاصطفاف والتوافق يصير أكثر أهمية، إذ يزيد من قدرة الجميع على العمل ضد عودة منظومة القمع مكتملة الأركان، ويعطى الأمل ــ وإن بقى ضعيفا ــ فى الانتصار فى جولة قادمة بمعالجة الأخطاء الجمة التى شهدتها الأشهر الماضية، ثم إنه ــ فى ملف الحكومة ــ يعطى هذه القوى القدرة على التقدم مجتمعة لتحمل المسئولية، بدلا من خوف كل منها من التقدم لحملها منفردة، لئلا تتعرض للإفشال من قبل أجهزة الدولة كما سبق، ولا تترك الفرصة كاملة ــ منذ البداية ــ لشفيق أن يسيطر منفردا على المؤسسة التنفيذية للدولة برفضها تشكيل الحكومة.

 

ويحتاج الاصطفاف ــ قبل كل شىء ــ لإدراك الأطراف المختلفة دقة اللحظة، وتغليبها السعى لبناء المستقبل على تصفية حسابات الماضى، وتقديم كل طرف بوادر حسن النية الكافية لطمأنة خصومه، ومسئولية الإخوان الرئيسة الوصول لتفاهمات حقيقية، تؤكد إدراكهم أن مرشحهم للرئاسة يحتاج لضعف الأصوات التى حصل عليها ليصل للقصر، وأنه لو خاض الجولة الثانية من الانتخابات ــ كما خاض الأولى ــ كمرشح للإخوان فإنه لن يحصل على الأصوات الإضافية اللازمة، وأن تغيير تعريفه من مرشح الإخوان (أو المرشح الإسلامى الوحيد) إلى مرشح قوى التغيير يحتاج لأكثر من تغيير الشعار الانتخابى من (النهضة إرادة شعب) إلى (قوتنا فى وحدتنا)، بل ينبغى أن يتجلى فى التفاوض على الأرضية التى عليها تدار المعركة الانتخابية.

 

وتقديرى أن التفاوض ينبغى أن يدور حول محاور أربعة، أولها: الحكومة برنامجا وتشكيلا، فأما البرنامج فرؤية إصلاح المنظومة الأمنية، وكذا الرؤية الاقتصادية لمرشح الإخوان هى على يمين ما قدمه المرشحون الذين حازوا المراكز من الثالث للخامس (إجمالى نسبتهم حوالى 50%)، وتشكيل الحكومة ينبغى إخراجه بصورة تضمن قدرة البرلمان ــ حقيقة ــ على محاسبتها، وقدرتها على العمل مستقلة عن الإرادة المنفردة لحزب الحرية والعدالة، ثانى الملفات الدستور: الذى ينبغى الانتهاء من معايير تشكيل جمعيته التأسيسية، ومن إعلان مبادئه الرئيسة، قبل الانتخابات، وثالثها: طريقة إدارة المؤسسة الرئاسية من حيث الأشخاص والمسئوليات، ورابعها: معايير التعيين فى المناصب السياسية العليا فى الدولة، بما يضمن لكل التيارات السياسية صناعة الكوادر والاطلاع على دولاب العمل فى الدولة بعدما عانت الإقصاء لعقود.

 

ومرونة الإخوان فى الوصول لتفاهمات ستكون حاسمة فى فوز مرشحهم، وهو ما يستلزم إسكات الأصوات التنظيمية المتعالية، التى تؤكد عدم احتياجها التنسيق، كما توجب على قواعد الإخوان الضغط على قياداتهم للوصول لمثل هذه التفاهمات، وإلا ذهبت مجهوداتهم على الأرض سدى، وتقديرى أن مثل هذا الضغط هو القادر على قتل ما يبدو أنه اتجاه من بعض القيادات لخسارة هذه الانتخابات (بتفاهمات أيضا)، حفاظا على تماسك التنظيم بوضعه تحت تهديد آخر من خارجه يؤجل خلافاته ويبرر أخطاءه.

 

وعلى الجهة المقابلة، فإن القوى السياسية عليها ألا تبالغ فى طلباتها فتطلب ما لا يتوافق والأعراف الديمقراطية (كطلبها تنازل مرشح الإخوان، أو إنشاء مؤسسة رئاسية يكون أضعف أطرافها الرئيس)، وأن تطلب ما يكافئ وزنها على الأرض، وما تطمئن به لحقوق المواطنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وألا تنشغل بتصفية حسابات الماضى (القريب والبعيد) مع الإخوان.

 

إن المعركة لا تحتمل هزلا، ولا أنانية، ولا شماتة، ولا تحتمل تصفية الحسابات ولا تحقيق المكاسب الشخصية والتنظيمية الضيقة، فمن ظن أنه سيحقق بهذه المعركة شيئا من هذا فهو يسقط نفسه وغيره فى شراك النظام القديم، ويقضى على الكثير مما تبقى ــ له ولغيره من قدرة على إنجاح الثورة.

 

ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

التعليقات