حكام الفترة الانتقالية يهددون مكاسب ميدان التحرير - معز مسعود وماثيو إنجولز - بوابة الشروق
السبت 28 سبتمبر 2024 6:16 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكام الفترة الانتقالية يهددون مكاسب ميدان التحرير

نشر فى : الإثنين 9 يناير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 يناير 2012 - 9:20 ص

مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لثورة مصر، تستقطب الاحتجاجات المتجددة الرأى العام المصرى بصورة لم نشهدها منذ بداية احتلال ميدان التحرير.

 

يرى أولئك الذين يؤيدون الحكام الانتقاليين، المتمثلين فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن شباب المحتجين الذين عادوا إلى الميدان إما ينقصهم الصبر أو جشعون، فى أفضل الأحوال. أو يعتبرون النشطاء، وهو الأسوأ، خونة وفوضويين فهم ليسوا الشباب المثالى الذى شاهدناه فى يناير 2011 الذين أطاحوا بالطاغية، وإنما سلالة جديدة من المخربين، بل إن بعضهم يعملون لمصلحة جهات أجنبية تهدف إلى إشاعة عدم الاستقرار فى مصر. ويجرى هذا، على أية حال، فى وقت يمثُل فيه مبارك وأعوانه للمحاكمة على جرائمهم. كما تجرى انتخابات برلمانية حرة تلبية لمطالب ثوار 2011.

 

لكن الثقافة السياسية السامة ظلت قائمة على الرغم من الثورة، وهى تميز إلى حد كبير أسلوب حكام الفترة الانتقالية. ومن المؤكد أن وعود المجلس العسكرى العام الماضى بمستقبل أفضل أنهت تهكم المصريين المعبر عن فقدان الثقة بكل ما هو سياسى وكان سائدا. لكن البلاد ما زالت تعانى ضعفا سياسيا معوقا على مستوى المؤسسات، وفى هذا دعوة للعودة إلى التهكم وفقدان الثقة. وقد توصل كثير من المصريين بالفعل إلى أن المجلس الانتقالى يتبنى استراتيجية سياسية عريقة تقوم على التملص من المسئولية عن المحن التى تواجهها البلاد، وكذلك عن الدماء التى ما زالت تسيل فى ظل حكمهم.

 

أما من يواصلون الاحتجاج فى ميدان التحرير، فهم أكثر من فريق: هناك قادة الثوار الأساسيين الذين حثوا أبناء بلدهم على التحرك، وهناك «الألتراس» الذين تحول شغفهم السابق بنتائج الكرة إلى حماسة سياسية مستجدة، وهناك الأقباط الذين يرفضون أسلوب المجلس بعدم التصدى للتوترات الطائفية المتجددة، وهناك أيضا المرأة المصرية التى وجدت عند الحكومة الجديدة نفس الكراهية المتأصلة للنساء التى جعلتها تنزل الميدان قبل 11 شهرا.

 

وبين المحتجين هناك أغنياء ومعدمون، وليبراليون وإسلاميون. وهم فى معظمهم من الشباب. لكن إذا دققت النظر سترى بعض أصحاب الشعر الرمادى. وإن صح ما يقوله منتقدوهم عن عدم قدرتهم على التفاهم معهم، فإن هذا إنما يعود إلى أن المحتجين نادرا ما يتحدثون بلسان واحد ويرفضون مجرد الاستماع كالأطفال للصدى الأبوى للمؤسسة القديمة. وإذا كانت هناك روح واحدة تجمعهم فهى الغضب المبرر من العقلية التى تحكم المؤسسة.

 

●●●

 

وقد تبدى استمرار نهج الثقافة السياسية القديمة تجاه حرية التعبير والمعارضة السياسية الشهر الماضى بما لا يدع مجالا للشك عندما داهم الجنود نحو عشر من جماعات نشر الديمقراطية، يتلقى ثلاث منها على الأقل تمويلا أمريكيا، إلى جانب عدد آخر من المنظمات غير الحكومية.

 

كما قدمت الصورة المهينة لـ«السيدة ذات حمالة الصدر الزرقاء»، المحتجة التى نُزعت عباءتها لتكشف عن ملابسها الداخلية أثناء سحلها بالشارع، دليلا تقشعر له الأبدان على رسوخ الأساليب العنيفة التى سادت قبل الثورة. وكان ينبغى أن يكون المجلس العسكرى على قدر من الحكمة بحيث يتذكر أن الصورة البشعة لجثة خالد سعيد، الشاب المصرى الذى ضربته الشرطة بوحشية فى 2010 وعثر على جثته بعد ذلك بدقائق قليلة، كانت رمزا لحشد المحتجين الذى ترتب عليه الإطاحة بديكتاتور حكم البلاد لثلاثين عاما مع وزير داخليته.

 

ومن غير الواضح حتى الآن من سيكون مسئولا عن مقتل المئات ما يزيد تقريبًا على ألف شخص من المتظاهرين منذ بداية الثورة المصرية. وحتى الآن، لم يحاكم سوى رقيب شرطة وصدر الحكم عليه غيابيا؛ بينما أججت تبرئة ستة من ضباط الشرطة مؤخرا من تهمة قتل المتظاهرين الشتاء الماضى مشاعر الناس، وتراكمت منذ يناير الماضى أعداد لا حصر لها من الضحايا، من بينهم عشرات المصريين الذين فقدوا أعينهم عندما استهدفتهم عن عمد الطلقات المطاطية أو الخرطوش.

 

وحتى الآن، ووفق أكثر تحليلات الأحداث تفاؤلا، فإن الحكومة الانتقالية تؤجل محاسبتها عن جرائم كهذه إلى أجل غير مسمى. وغضب المحتجين المفهوم على تأخر إنجاز العدالة لن يؤدى إلا إلى المزيد من عدم الثقة فى حكامهم الانتقاليين. والنتيجة حلقة من العنف تحفز المجلس العسكرى أكثر فأكثر باتجاه تفادى المحاسبة مستقبلا.

 

●●●

 

وتلك هى تحديدا الطريقة التى يعود بها من جديد التهكم المعبر عن فقدان الثقة الذى يعوق مصر. وإذا لم تتحسس القوى السياسية الحالية طريقها بعناية، فإنه حتى الحكومة المنتخبة ديمقراطيا التى وُعد بها المصريون فى عام 2012 يمكن أن تدخل فى صراع قوى طويل ومنهك مع المؤسسة العسكرية التى لديها أسباب قوية لتظل دولة مستقلة داخل الدولة، غير قابلة للمس.

معز مسعود وماثيو إنجولز معز مسعود، مقدم برامج تلفزيون مصرى، وباحث فى الشئون الإسلامية وناشط سياسى ماتيو إنجولز، أستاذ مساعد للدراسات الإسلامية بجامعة بوجيت ساوند
التعليقات