لم يكن شرطا أن يكون الحقوقى والمحامى البارز أحمد سيف الإسلام حمد، مقتنعا بكثير من دوافع ورؤى الأصوليين المتشددين حتى يكون حاضرا ومدافعا عن كل من تم انتهاك حقوقه من هذه الجماعات فى أحداث العنف خلال الثمانينيات والتسعينيات، الأخلاق يجب ألا تقبل التحزب والتسييس، هناك مواقف أخلاقية فى الأساس، تدفعك لكونك إنسانا من الأصل أن تكافح أى تمييز أو اعتداء على الحقوق والحريات أيا كان انتماء المجنى عليه السياسى أو الدينى.
بهذا المنطق وجدت المنتقبات فى فرنسا من يتضامن مع حقهن فى ارتداء ما يردن، حتى لو كان المتضامنون ليبراليين بينهم كاشفات حسب أحدث خطوط الموضة الباريسية، ووجد معتقلو جوانتانامو من داخل المجتمع الأمريكى من يدين الممارسات بحقهم، ووجد ضحايا أبوغريب من يكشف خطايا البنتاجون من داخل الإعلام والمجتمع الأمريكى.
هؤلاء يرون صورة مواقفهم الأخلاقية باكتمال واضح، لا يقبلون باجتزائها، ولا ربطها بأيديولوجية أو تحزب، يتحركون من منطق حق الإنسان كونه إنسانا، دون تركيز مع لونه أو جنسه أو عقيدته أو مرجعيته السياسية.
خلال الأيام السابقة دشنت ناشطات «محجبات» حملة إلكترونية واسعة لمقاطعة أحد المطاعم فى إحدى ضواحى القاهرة، سبب الحملة أن المطعم يرفض تشغيل المحجبات، فتضطر بعض العاملات فيه أن يخلعن حجابهن عند دخول المطعم لمزاولة العمل، ثم يعدن ارتداءه وهن فى الطريق لمنازلهن.
هذا تمييز غير مقبول بلا شك، لكنه مجرد وجه من وجوه التمييز فى العمل، فعلى الجانب الآخر هناك مطاعم ومتاجر «إسلامية» لا تقبل توظيف غير المحجبات، ولا تقبل توظيف الأقباط، وتشترط على سبيل المثال حدا معينا من حفظ القرآن لقبول «بائع» لديها، وهناك كذلك شركات تمنح الأولوية فى وظائفها للأقباط.
هذه صورة كاملة كلها تمييز، لكن تحزيب المواقف الأخلاقية يدفع البعض لأن يرى جزءا من هذه الصورة بإدانة غليظة، وجزءا آخر من ذات الصورة بتأييد معلن أو مستتر.
كيف يمكن أن تحترم من يرى منع المحجبات تمييزا، ولا يرى منع الكاشفات تمييزا كذلك ؟
لديك قضية أخلاقية أخرى فى توريث المناصب القضائية، ومع احتدام التشاحن السياسى ودخوله باستقطاباته وصراعاته داخل المؤسسة القضائية للأسف الشديد، خرج من يلفت الأنظار إلى أن تعيين أبناء المستشار أحمد الزند ومن هم فى معسكره فى القضاء توريثا وفيه قدر كبير من انتهاك العدالة والنزاهة والمساواة بين المصريين، ورد عليه من نشر ما يفيد تعيين أبناء المستشار أحمد مكى ومن هم فى معسكره فى ذات المواقع القضائية، وبذات الإجراءات المطعون عليها مجتمعيا، لكن كلا الطرفين لا يرى إلا جزءا من الصورة، أو يرى الوجهين فيدين وجها ويؤيد وجها منطلقا من خصوماته الحزبية.
إذا كان هناك هدف أخلاقى كبير فى منع توريث المناصب القضائية وضمان عدالة ونزاهة إجراءاتها، فلابد أن تكون الصورة كاملة غير حزبية، وإذا كان هناك هدف أخلاقى كبير فى منع التمييز فى العمل بسبب العقيدة أو المظهر أو الجنس، فلابد أن تكون الصورة كاملة، لكن تحزيب المواقف الأخلاقية يفسد الأخلاق، ولا ينتج إلا مجتمعا لا يعرف الإنصاف كفضيلة، ولا العدالة كأساس للحكم.
للأخلاق وجه واحد.. لكن أغلبنا بوجهين