من أجمل التوصيفات التى عبرت عن ثورة يناير، فور قيامها، أنها «ليست ثورة الباحثين عن عمل بل ثورة الباحثين عن أمل»، وهو توصيف دقيق لمطالب هذه الثورة التى قامت بعد سنوات طويلة من الشعور العام باليأس، بدءا من الأمل فى تعامل أكثر إنسانية من أجهزة الشرطة، وصولا إلى الأمل فى حياة تتجاوز جميع الصعوبات فى طريق الوصول لحياة الرفاهة، وأن تصبح مصر على المستويين الإقليمى والدولى فى المكانة التى تليق بتاريخها وبإرادة شعبها، وتمكنها من تحقيق مصالحها.
وفى الواقع، أن الأمور سارت بعد الثورة فى مسارات بعيدة كل البعد عن فكرة «الأمل» فى أى شىء، سواء على المستوى الداخلى والخارجى، وربما كان النجاح الوحيد الذى تحقق على يد من بيده السلطة، هو وأد أى أمل والقضاء على أى بارقة له، وبغياب الأمل واختفائه من أفق المستقبل، أعاد مجددا الشعور العام باليأس والإحباط لدى الغالبية العظمى من الجماهير، التى مازالت تعبر عن غضبها ورفضها حتى الآن، وربما بطريقة أكثر عنفا من قبل، بما يتسق مع الإحساس العارم بفقدان الأمل الذى كان.
والأمل، فكرة أبسط كثيرا، من فكرة تحقق المطالب، لأن الأمل يتحقق بخطوات بسيطة وفى زمن لا يذكر وبتكاليف بسيطة، على العكس تماما من تحقيق المطالب الذى يستغرق زمنا طويلا وبتكاليف باهظة، وهذا ما يصيبنا بالدهشة من عدم إقبال من فى الحكم على بذل أى جهود من أجل إشاعة الأمل بين الناس، وكأن هناك من يريد أن يطغى إحساس العقاب على من يثور، وأن يسود إحساس الهزيمة المحبط للجماهير.
وعلى مستوى الداخل، لن يتحقق أى أمل، ولن يشعر به أحد، إلا بمعرفة الحقيقة، كما يؤكد أحمد عبدالله استاذ الطب النفسى، الذى ضرب مثلا بقضية القناصة، فكلما تنكر مؤسسات الدولة وجودهم، يطغى الإحساس بأن المجهول هو الذى اغتال الشهداء، وبالتالى يصبح الإحساس العام بالتعرض للاغتيال حاضرا بقوة، ولن يبدده إلا الاعتراف بالحقيقة، التى يبتعد عنها نظام الحكم الآن، لذا تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ، ويصبح المجهول هو الخطر الذى يخاف منه الشعب، باعتبار أن هذا المجهول هو الذى يطارد الحقيقة، وبالتالى يصبح النظام نفسه قاتلا لأى أمل منتظر.
ولا يختلف الأمر كثيرا على المستوى الخارجى (الاقليمى والدولى) ومؤتمر القمة الإسلامية خير مثال على ذلك، فلم يفهم أحد ماذا تريد مصر من إيران، ولماذا تواجه زيارة أحمدى نجاد الرفض من قوى عديدة، أو ما هى طبيعة العلاقة الخاصة بين مصر وتركيا أو مصر وقطر، ولماذا تتوتر العلاقة مع السعودية، ولماذا تسوء مع الإمارات، ولماذا نفقد «الأمل» تماما فى فهم سياسة البلاد الخارجية بعد الثورة، التى يتعامل معها النظام باعتبارها شأنا خاصا بسلطة الحكم لا علاقة للشعب به، والمخيب للآمال أن قوى المعارضة لا تعتنى هى كذلك بالأمر، وهنا لن يتحقق الأمل إلا عبر ما يصفه خبير العلاقات الإقليمية والدولية عالم السياسة مصطفى اللباد، بضرورة وجود ما يسميه «المصلحة الوطنية المصرية» التى يمكن على أساسها التعامل على جميع الأصعدة الدولية بما يحقق المصلحة الوطنية وجلب المنفعة للبلاد وشعبها، فحين يعرف الشعب ما هى مصالحه الوطنية، سيعرف أن هناك أملا فى تحقيق منافعه، لكن على ما يبدو أن النظام نفسه لا يعرف ما هى هذه المصالح حتى يعمل من أجلها وتحقيقها فكيف يطلع عليها الشعب وهى غير موجودة بالأساس.
أعتقد أن إعادة الأمل، باتت أمرا ضروريا لإزالة الالتهاب الذى أصاب جسد الثورة والثوار، ولن يهدأ هذا الالتهاب، إلا بالإحساس بأن هناك أملا فى تحقيق مطالب ثورتهم داخليا وخارجيا، فالثورة هى التغيير، وكل ما تطالب به الجماهير الآن هو الإحساس بالأمل فى التغيير، وإذا لم يقدم النظام الحاكم هذا الأمل فهو يعلن بصراحة أنه ضد التغيير، أو أنه لا يفهم لماذا قامت الثورة، أو أنه لا يؤمن بها، وهذا ما لا نتمناه للحكم ورجاله.