منذ أيام كنت أتحدث مع إحدى الباحثات المهتمات بقضايا المرأة، قالت لى إن هناك نقلة نوعية كبرى حدثت للمرأة سواء على صعيد المشاركة السياسية أو الاقتصادية الاجتماعية، وكان من الممكن أن تكون أفضل مما هى عليه لولا تداعيات مواجهة فيروس كورونا المستجد، وتأثيراته عليها. هذه العبارة كاشفة عما يحدث على أرض الواقع، لكنها لم تصل على ما يبدو إلى الخطابات الثقافية التى تٌطلق فى الحياة العامة فيما يتعلق بقضايا المرأة، والتى أظن أنها لم تبرح الكلام الذى كنا نردده منذ عقدين من الزمن. ونظرا لأن الحياة مواسم، فهذا الأسبوع هو موسم الحديث عن المرأة بمناسبة عيدها العالمى، واستغربت من بعض التعليقات التى قرأتها سواء فى مقالات أو على وسائل التواصل الاجتماعى التى لا تزال تعيد انتاج خطابات قديمة، وأبرزها المرأة بين «التحرر» و«التشدد»، أو المرأة موضوع الاستهلاك، أو المرأة عارضة الوجاهة، أو المرأة التى يغيب عقلها عندما يفرض عليها ظلام التطرف، وهكذا، وهو حديث إن دل على شىء فهو يدل على أن الإنتاج الثقافى فى المجتمع لا يواكب تحولات الواقع، ويتأخر خلفها عدة خطوات. فى السنوات الماضية كسرت المرأة تابوهات كثيرة فى المجتمع ليس فقط على مستوى التمثيل السياسى، الذى يبدو أن هناك حرصا من النظام السياسى على الدفع به، وهى مسألة أساسية وضرورية، ولكن أيضا هناك مشاركات للمرأة فى الحياة الاقتصادية، سواء على صعيد الحياة العملية، أو المشروعات، والتحقت حاليا ــ ولو بنسب قليلة ــ بوظائف أو بمهن كانت بالتأكيد حكرا على الرجال لعقود طويلة. شاهدت سيدات يقدن سيارات أجرة، وأخريات يستخدمن درجات بخارية، وقدم برنامج فى التليفزيون تجربة فتاة تعمل فى محل جزارة، وفتيات أخريات يعملن فى مقاهٍ.
بالطبع لا يزال ذلك محدودا، وأقرب إلى الاستثناء منه إلى القاعدة، ولكن التغيير يبدأ دائما مثل ثغرات فى جدار مصمت، ثم ما يلبت أن تتسع حتى تشمل التغيرات والتحولات الكبرى فى المجتمع.
وفى المسألة الاجتماعية يبدو هناك تحول شامل، فمن ناحية لم يعد تأخر سن الزواج بالنسبة للمرأة يمثل مشكلة كبرى لها ولاسيما إذا كانت متحققة عمليا، كما لم يعد اللجوء إلى خيار «الطلاق» لها نفس التكلفة الاجتماعية التى كانت له فى الماضى. وليس كل تغيير إيجابيا بالنسبة للمرأة. فى أوقات كثيرة تكون للتغيرات تداعيات سلبية عليها.
ما يلفت الانتباه ليس مسارات التغيير، ولكن عدم مواكبة الخطابات الثقافية، وتعليقات الكتاب والمدونين على هذا التغيير، واستمرار سيادة النظرات القديمة للمرأة، بما يجعلنا كمن ينظر إلى ملابس جديدة فى مرآة عتيقة.
مرة أخرى، المطلوب هو وجود دراسات ثقافية، وابحاث اجتماعية، وتحقيقات إعلامية تقترب من التغير الذى يموج به باطن المجتمع، ولا نكتفى بالرؤية من فوق، والتى تتدثر بها آراء نمطية كثيرة عن المرآة، ولكن نغوص فى ثنايا واقع اجتماعى ملىء بالمتناقضات، وليس الصورة التى نراها من فوق دقيقة دائما، وليس الكلام النظرى المتوارث كفيلا بتفسير وتحليل الواقع. هناك حاجة إلى كلام جديد، ورؤية جديدة واقعية.