سأترك لك قراءة سطور هذه الرسالة الموجعة من طبيب شاب دون تعليق منى:
أنا طبيب مصرى حديث التخرج.. أبلغ من العمر 25 عاما.. وحتى الآن لا أعرف موقفى من التجنيد فقد يتم تجنيدى كضابط احتياط ويضيع من عمرى ثلاث سنوات أخريات هباء منثورا بحجه خدمة الوطن.
أساسى مرتبى يبلغ بالتمام والكمال 200 جنيه.. والباقى حوافز قد تأتى شهرا ولا تأتى آخر.. وإذا أتت كل الحوافز والحوارات إياها (وهذا لا يحدث سوى شهر يونيو لنهاية السنة المالية) لن يتعدى المرتب 1400 جنيه.. قد نقبل أن يكون المرتب ضعيفا لأن الدولة فى حالة سيئة والخ.. لكن عندما ترى أن الغفير فى الشرطة يقبض راتبا أعلى.. عندما ترى زيادات فى مرتبات معظم الناس ونحن كأطباء مازالت مرتباتنا فى الحضيض.. أى مهانه نشعر بها؟؟ لماذا يتم معاملتنا بهذه الطريقه؟؟
هناك قصة لديستويفسكى اسمها «مذلون.. مهانون» أقسم بالله عندما رأيت العنوان أول ما خطر ببالى أنها تتحدث عن حال الأطباء.. يا سيدى الفاضل أنا معرض للعدوى فى لحظة ومن كل مريض.. قد أخيط جرح مريض ما فأتسبب لنفسى بإصابة بفيروس سى مثلا وتضيع حياتى ثمنا للطب.. ببساطة.
هل تعلم بدل العدوى الذى أتقاضاه كم يبلغ؟ 20 جنيها.. هل تعلم بدل العدوى الذى يتقاضاه وكيل النيابة؟ 1400 جنيه.. لأنه يتعامل مع ورق وحبر فلا بد أن نحميه من العدوى لكن ــ لا سمح الله ــ الأطباء يتعاملون مع المرضى فلن يكونوا معرضين للعدوى أبدا.
الحقيقة أننا نشعر بالمهانة فعلا كأطباء وإذا نظرت للموضوع بجدية لوجدت أننا أصبحنا فى أسفل درجات السلم الاجتماعى للأسف من كل النواحى.
المرضى وأهاليهم يتعدون علينا فى المستشفيات سواء خدمناهم أم لا.
العائد الذى نتلقاه هو أقل من الحد الأدنى للحياه أصلا وليس الحياة الكريمة.
لم يعد الناس ينظرون للطبيب باحترام وإنما هو فى نظرهم إما رجل جشع وإما «مفبركاتى» بيضحك عليهم.
طبعا الحل السحرى هو السفر للخارج ولكن ماذا بعد؟ إيه فايدة حياة أعيشها متغرب وهارجع امتى وإزاى هعيش و...ألف سؤال وسؤال.. وألف ضربة على الدماغ من الشعور بالظلم.
انت عارف.. أنا لسه ماكملتش سنه شغل بعد سنه الامتياز.. لكن للأسف الشديد انمحت العاطفة تماما من داخلى تجاه المريض.. أصبح بالنسبة لى كالجماد لا أهتم إذا تألم أو لا.. شفى أو لا.. ببساطة المهم أنه يغور من وشى.. أنا بعالجه وبعمل كل اللى ف ايدى ولو الحالة أكبر منى بشوفله اللى يقدر يتعامل معاه.. لكن المفترض من شغلانتنا دى إنها تقوى العاطفة والتأثر جوانا مع الناس.. العكس هو اللى بيحصل.. المفترض أنها تقوى إيماننا بالله وبرحمته.. وأبشرك أن ليا كذا زميل ألحدوا.
قد تسمع فى الفترة القادمة عن جمعية عمومية للأطباء فى النقابة ودعوات لإضراب قد يتم وقد لا يتم وقد يحقق نتائج أو لا.. فقط اعرفوا أننا تحملنا ضغطا عصبيا ونفسيا لمدد طوال.
الشرطة ماتحملتش المظاهرات وكسرة العين وقعدوا ف بيوتهم وانتشر البلطجية ف الشوارع وكانت إيه النتيجة؟ بيتم تكريمهم ويزودولهم المرتبات عشان مايزعلوش ياعينى.
مش بطلب تعاطف منك ولا حاجة.. فقط اعرفوا أن لدينا أسبابا للغضب.. اعرفوا أننا بننزف بسبب البلد دى.. اعرفوا أننا مقهورين اكتر من أى حد لأننا المفترض نكون فى مكان وبنتواجد ف مكان عكسه تماما.. بلاش تطالبونا نستنى.. استنينا كتير والوضع من سيئ لأسوأ وكل يوم بنزداد غم.. واهم حاجة.. بلاش تطالبونا بالتعاطف.. لأن فاقد الشىء لا يعطيه.