كلام قديم.. وأمنيات لم تتحقق - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 3:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلام قديم.. وأمنيات لم تتحقق

نشر فى : الأحد 10 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 10 فبراير 2013 - 8:00 ص

هذا «نص» بلا زيادة أو تنقيح لكلام قلته على شاشة «الجزيرة مباشر مصر» قبل أكثر من عام وتحديدا فى مساء الرابع من ديسمبر ٢٠١١ عشية الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأولى بعد ٢٥ يناير، وبعد أيام من تكليف الجنزورى (الذى هو الآن ــ رسميا ــ مستشارٌ للرئيس) بتشكيل الحكومة. ولم أكن لأتذكر هذا الكلام، وسط كلام كثير جدا قيل على مدى العامين، لولا تفضلت أختٌ كريمة تنتمى إلى واحدة من أعرق أسر الرعيل الأول من الإخوان المسلمين فذكرتنى به، منبهة إلى «سؤال الأمنيات»؛ كم منها تحقق، وكم منها ضاع فى غبار المعارك الوهمية بين رفاق السلاح؟ وكم منها خفتت أصداؤه  وسط صخب التنادى إلى «المعارك المقدسة» زعيقا، أو الجور بالشكوى نواحا وصراخا؟ هو كلامٌ «قديم». ولكن إعادة قراءته، وقد وصلنا إلى حافة هاوية، قد يفيد فى تذكر كيف كانت بداية الطريق. كيف خنا الأمانة، وكيف فشلنا فى رعاية بذور الأمل.

 

•••

 

غدا.. الإثنين الخامس من ديسمبر من هذا العام (٢٠١١) الذى هو بالتأكيد فى تاريخ هذه المنطقة ليس ككل الأعوام، يذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع. ليحسموا نتائج الجولة الأولى.. من الانتخابات الأولى بعد الخامس والعشرين من يناير. ها نحن إذن على بعد خطوات من برلمان حقيقى «منتخب»، وها هى وزارة «جديدة».  فهل نستطيع اليوم أن نقول هكذا إن الثورة استكملت أهدافها؟ هل تمثل هذه الانتخابات نهاية الفعل الثورى؟ وإذا لم يكن الحال كذلك، فهل نحن ماضون على طريق الثورة الذى اخترناه؟ أم أن هناك من يرى أنه «وصل فاتصل».. وكفى الله المؤمنين شر ما يأتى بعد ذلك من قتال؟

 

لا توجد إجابات قاطعة بعد. وإن كنت أخشى أننا دون أن نلحظ نخلع رداء الثورة قطعة قطعة. فالملحوظة الأولى هنا أن «الجنزورى» لم يُخرِج من وزارة «شرف» إلا الوزراء الذين كانت لهم علاقة بالتحرير.. خرج أحمد البرعى؛ الوزير الذى وقف مع نقابات مستقلة للعمال. وخرج عمرو حلمى؛ الوزير الذى كان يرسل الإسعاف للتحرير. وخرج عماد أبو غازى؛ الذى استقال احتجاجا على مجزرة التحرير الأخيرة.

 

لم ينقشع المشهد تماما بعد. ولكن وسط ضباب كثيف يغلف تفاصيل المستقبل السياسى لهذا البلد، هناك هوامش وملاحظات:

 

أولا: هل هناك من يختلف على أنه لولا «التحرير»؛ متظاهروه.. ومعتصموه.. وقبل أولئك جميعا شهداؤه لما كنا قد رأينا هذه الطوابير على صناديق الاقتراع. ولما وصل من سيصل إلى سدة الحكم ومقاعد البرلمان؟

 

نعم، فى حساب الإنصاف والتاريخ، علينا أن نذكر كل حركات الاحتجاج التى دفعت ثمن تعبيد طريقنا إلى صندوق انتخابات نزيه: حركة كفاية، و٦أبريل، وخالد سعيد، والإخوان المسلمون، والإعلام الحر، ومعهم كل الأجيال التى ناضلت على مدى الأربعين عاما الماضية. بداية من مظاهرات الخبز ٧٧ وحتى وقفات القضاة ٢٠٠٦، ولكن هل هناك من يختلف على أنه لولا «التحرير» ــ تتويجا ــ  لكان بلطجية النظام قد حالوا بيننا وبين الوصول إلى صناديق الاقتراع، كما كان يحدث دائما. ولكان الموتى قد صوتوا بدلا منا، ولما مارس المصريون فى الخارج حقهم فى المواطنة؟

 

ثانيا: أن الذى قاطع، والذى ذهب إلى صناديق الاقتراع (أيا كان اختياره)، كلاهما يبحث عن هدف واحد: الانتقال إلى دولة ديموقراطية حديثة، وإنهاء المرحلة الا نتقالية بكل عثراتها وآلامها فى أسرع وقت ممكن، ليعود الجيش «جيشنا» معززا مكرما إلى ثكناته ودوره الصحيح، ومهابته التى نحرص عليها، والتى كانت بحق أكثر المتضررين من إطالة هذه الفترة الانتقالية ومن ارتباكاتها.

 

ثالثا: أن المخاوف التى ثارت هنا أو راجت هناك، على صفحات الصحف وصفحات الإنترنت وشاشات الفضائيات، بل وحتى نكات المصريين اللاذعة، بعضها مبالغ فيه روجته نخبة لديها حساسياتها أو حساباتها. إلا أن بعضها حقيقى بلا شك، له ما يبرره فى تصريحات هنا وممارسات هناك. وأن مهمة ازالة هذه المخاوف تقع فى الدرجة الأولى على الطرف الأكبر حجما ونفوذا وتاريخا. إن فعل، فسيصب هذا فى مصلحته ومصلحة الوطن. وإن غفل ــ استقواء أو اكتفاء ــ فسيدفع، وندفع جميعا الثمن غاليا.

 

رابعا: أنه، وإن كانت هناك مشكلة كبرى فى  أن نسمع من يقول فى اقتراع «سياسى»: إن التصويت لهذا أو ذاك، هو من فروض الدين أو سننه. فالمشكلة الأكبر أن هناك من يستجيب لذلك. وهذا هو التحدى الأكبر أمامنا جميعا. إذ علينا أن ننتبه ــ قبل فوات الأوان ــ أن هذا أول طريق إلى مجتمع «يفرز على الهوية»، وإلى انقسام سيتجاوز مسألة العقيدة إلى ما وراءها، وإلى استقطاب خطر سيأخذنا إلى حيث لا نطيق.

 

خامسا: أن الذين أزعجتهم مشاهد هنا أو مشاهد هناك، أرجوهم أن يتحملوا وأن يدركوا أننا «نتعلم» الديموقراطية. وأن هذه خطوات أولى.  ولا خطوات أولى بل عثرة هنا وجرح هناك.

 

سادسا: على الجميع؛ من فاز بالمقاعد ومن عز عليه لسبب أو آخر الوصول اليها، أن يدرك أن هذه الانتخابات، سيتلوها أخرى. والعبرة ليست بأن تجلس على الكرسى، فحسابات الحقل  لم تكن أبدا كحسابات البيدر.

 

سابعا: أن المشهد على روعته، وبغض النظر عما شابه من هنات إجرائية، ليس أبدا نهاية الطريق. بل ربما كان بدايته. مخطئ من يخلد إلى شعور زائف بأنه الآن قد حققت يناير أهدافها. أو أنه الآن قد حقق هو أهدافه. فالمعركة القادمة أصعب والطريق المتبقى أكثر وعورة.

 

ثامنا: بغض النظر عن ضرورة المحاسبة عن كل الانتهاكات السابقة، والانتباه لأية «نوايا لاحقة»، كان فى تفاصيل تأمين المشهد الانتخابى عودة لصورة الجيش التى نحب، والتى يجب أن تكون.

 

تبقى حقيقة أنه بحسابات التاريخ لن تكون نتيجة هذه الانتخابات هى الأهم. وإنما الأهم هو أن هذا الشعب لن يسمح بتزييف إرادته مرة أخرى. أكرر: أن هذا الشعب لن يسمح بتزييف إرادته مرة أخرى. وأنه إذا كان الشعب «البسيط» لن يسمح بتزييف إرادته مرة أخرى، ينبغى علينا نحن «أصحاب القلم» ألا نسمح بتزييف تاريخه.

 

وتبقى حقيقة أننا نحتاج حتما إلى «تدقيق المصطلحات» أو «تحريرها» كما يقول علماء الأصول. إذ لا أعرف من الذى قال بأن الليبرالية تقابل الإسلامية «فى معاجم اللغة أو قواميس السياسة»(!)  كما لا أعرف من الذى ادعى أن الإسلاميين فريق «سياسى» واحد؟! أو التجارب واحدة. أو أن الخمينى هو أردوجان أو البشير أو الملا عمر. أو أن باكستان «الإسلامية» التى تسمح بأن تقودها امرأة، هى السعودية «الإسلامية» التى لا تسمح للمرأة بأن تقود سيارة.

 

أتمنى أن يدرك الجميع أن المعركة السياسية القادمة، لا ينبغى أن تحكمها ثأرات الماضى، ولا نكاية طرف فى آخر.

 

أتمنى على الإخوان أن ينتقل خطابهم الإعلامى إلى قرن جديد، وأن يستمعوا جيدا إلى حمدين صباحى الناصرى ورفيقهم فى التحالف الانتخابى، وأن يستمعوا جيدا إلى عبدالمنعم أبو الفتوح رفيق مسيرتهم وسجونهم ومعتقلاتهم. وأن يستمعوا جيدا إلى حمدين صباحى الناصرى «وشريكهم» فى التحالف الانتخابى، وأن يستمعوا جيدا إلى البرادعى الذى يوما استتروا خلف مكانته، فحشدوا لجمع مليون توقيع تأييدا له.

 

أتمنى على السلفيين أن يدركوا أن لا ليبرالية أكثر تعبيرا أو تجسيدا من قوله تعالى: «.. فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف:٢٩)

 

أتمنى على الليبراليين أن يدركوا أن الليبرالية الحقة تعنى الاحتكام، بلا شروط إلى صناديق الاقتراع. وأتمنى على اليساريين أن يكونوا أوفياء إلى معتقداتهم التى تقول بأن الجماهير هى السيد وهى صاحبة القرار. بلا تعال، ولا إنكار، أيا ما كان هذا القرار.

 

وأتمنى على كل من ينظر إلى شباب التحرير مخطِّئا ومتعاليا ومستنكرا أن يتذكر قول الإمام على كرم الله وجهه: «إنا والله لا نساوى بَينَ مَنْ طَلَبَ الحقَ فأخطأه وبينََ منْ طلبَ الباطلَ فأصابه»

 

 ثم.. علينا جميعا أن ندرك أن المعركة «الحقيقية» القادمة تتلخص فى نقطتين:

 

١ــ كيف نتخذ من السبل ما يضمن عدم إعادة إنتاج النظام القديم، الذى أفقر مصر وجرفها سياسة، وثقافة، ووعيا.. وربما لا أكون مبالغا إن قلت ونخبة سياسية ودينية.

 

٢ــ كيف نرسم طريقا «متفقا عليه» أضعها بين قوسين لبناء مصر التى نريد؛ بلدا حديثا معاصرا يليق بما أعطته له الجغرافيا، وبما منحه له التاريخ.

 

•••

 

انتهى «النص».

 

وبعد.. فهذا كلام قديم. وهذه أمنيات لم تتحقق. وواقعيا، لن يمكننا تدارك ما فات. كما لن يمكننا تجميل جرائمنا. ولكن الاعتراف بالحق فضيلة. عسى أن نفيق من غينا فنتذكر وسط معاركنا التافهة الصغيرة شبابا طاهرا نقيا خرج قبل أكثر من عامين يبحث لنا عن طريق المستقبل. «.. فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ». بداية بمصطفى رجب «السويسى» (٢٥ يناير ٢٠١١)، وليس نهاية للأسف بابن طنطا البار محمد الجندى (٢٨ يناير ٢٠١٣). مرورا بمينا دانيال وعماد عفت وطالب الطب علاء عبدالهادى ومدرس الفنون الجميلة زياد بكير... وغيرهم كثيرون سنخجل حتما أن ننظر فى وجوههم يوم القيامة.

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات