عن الحقيقة والوطنية - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 4 أكتوبر 2024 6:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الحقيقة والوطنية

نشر فى : الأحد 10 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 10 فبراير 2013 - 8:00 ص

لا أعتقد أن الإعلام المصرى فى تاريخه تعرض لهجمات، مثل تلك الهجمات التى يتعرض لها منذ عدة شهور، باعتباره المتهم رقم واحد فى جميع القضايا، وبالطبع تأتيه الهجمات من غالبية القوى السياسية، ولكن القوى الموجودة فى الحكم هى الأكثر هجوما على الإعلام، باعتبار أيضا أنها القوى التى تتعرض بشكل واسع لهجماته، ولا غرابة فى ذلك، فهذا يحدث فى أربعة أنحاء الدنيا، فلا يوجد أى مبرر للغرام بين الحكم والإعلام، خاصة أن الإعلام هو الرقيب الأهم على ممارسات أى سلطة سياسية، وبالتالى ما يحدث فى مصر حاليا تجاه الإعلام هو أمر مفهوم، على الأقل فى إطار التراشق الدائم بين رجال الحكم وأهل الإعلام.

 

وإذا دققنا فى طبيعة المعارك الضارية التى تدور رحاها الآن بين الحكم والإعلام، سنجد أنها مليئة بالتجاوزات من الطرفين، فبعض الإعلام حاد وقاسٍ ومتجاوز فى المفردات والألفاظ التى يستخدمها فى أعماله النقدية للنظام وهو معه كل الحق فيما ينتقد، لكن يغيب عنه الحق فى طريقة عرض نقده، وغالبا يرجع هذا إلى ضعف مهنى وعدم امتلاك أدوات المهنة بشكل جيد، ونظام حكم يعتقد أنه مازال فى المعارضة، وأن هناك من يحرض على مهاجمته، وهو أمر يعكس غيابا كاملا لفهم طبيعة الحكم، ويعكس أيضا عدم إيمان الحكم بدور الإعلام ووظيفته الرئيسية فى الحياة السياسية كمعبر رئيس عن اتجاهات الرأى العام، ولا تخلو تصريحات رجال الحكم تجاه الإعلام من قسوة غير مبررة، لا تفسير لها سوى الأداء السياسى الهزيل غير المدرب، وغير المدرك لوظيفته ودوره.

 

لكننا فى واقع الأمر بصدد جريمتين، نشم روائح بوادرهما فى الأفق، جريمة من السياسة وأخرى من الإعلام، فالساسة تفكر فى طريقة مناسبة وعاجلة لإسكات الإعلام، بدعوى أنها تريد أن تعمل والإعلام يعطلها، وإسكات الإعلام منهج معروف لدى كل الأنظمة الاستبدادية، وهى جريمة أولى، يتبعها بالضرورة جرائم كبرى وهى الجرائم التى يرغب نظام الحكم فى ارتكابها ويعرف أنها جرائم لذا يرغب فى إسكات الإعلام حتى لا يكشفها ويفضح مرتكبيها، أما جريمة الإعلام الدائمة، التى تأتى فى الغالب كرد فعل لما يفعله النظام، فهى جريمة إسكات الحقيقة وإخفائها بعيدا عن الرأى العام، بدعوى أن هذا فى صالح البلاد، كالسكوت على أخطاء المعارضة، أو نشر أخطاء لم يرتكبها النظام وتحميله إياها، على أساس أنه نظام ديكتاتورى ومستبد ويجب الخلاص منه، إلى جانب المبالغة فى الأحداث التى يعتقد بعض رجال الإعلام أنها تكشف النظام المستبد وتعريه.

 

وإذا كانت جريمة إسكات الإعلام مفهومة من أى نظام مستبد، وهى جريمة يجب مقاومتها حتى النهاية باعتبارها الجريمة التى تفتح الطريق وتسلكه لجرائم أكبر (وتؤدى لسقوطه فى النهاية مهما طال زمن استبداده وإسكاته للإعلام)، فإن جريمة إخفاء الحقيقة لا تغتفر، لأنه لا خلاص بدون ذكر الحقائق، ولا مصداقية لأى وسيلة إعلامية بدون ذكر الحقيقة، وهذا هو جوهر القضية الإعلامية ونبل رسالتها وقدسية دورها فى المجتمعات الحديثة، وقد سألت إعلاميا فرنسيا كبيرا عن جواز الانحياز فى بعض القضايا لدوافع وطنية، أو أن هناك قضايا وطنية يجب الانحياز فيها لغالبية الشعب، مثل الثورات، يمكن للإعلام التعامل فيها بطريقة مختلفة، فكان كل ما لديه إجابة واحدة، أن الإعلام هو ذكر الحقيقة ولا شىء غير الحقيقة تحت أى ظروف أو دوافع، وأن الوطنية الحقة هى الحقيقة الكاملة، وما دون ذلك يصيب الإعلام، وربما الوطن نفسه، فى مقتل.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات