لن تخرج مصر من أزمتها الراهنة، بل من محنتها الراهنة، سوى ببحثنا عن الحقيقة وتمسكنا بالمعلومة ومطالبتنا بالمشاركة فى إدارة الشأن العام وبالاختيار الحر للمسئولين ومحاسبتهم.
يعنى البحث عن الحقيقة توثيق المظالم، وتسمية الضحايا دون تمييز بين مصريين وأجانب، وتحديد المتورطين فى المظالم والانتهاكات دون تمييز بين مسئولى المناصب العليا والمنفذين فى الدرجات الأدنى. ربما لا نملك اليوم فعليا القدرة على محاسبة المتورطين فى سياق قانونى عادل وناجز، غير إننا سنحصل عليها يوما.
يعنى التمسك بالمعلومة الامتناع عن تجاوز خطوط الموضوعية فى إطار معارضتنا للسلطوية الحاكمة. فالأخيرة ترتكب الكثير من الجرائم وتتورط فى الكثير من المظالم والانتهاكات والسياسات الفاشلة ويحق لنا المطالبة بالتغيير والتحول الديمقراطى، ولذا لا نحتاج نحن لتوجيه اتهامات غير موضوعية أو النزوع نحو تخوين الحكام وأعوانهم وأذرعتهم. يكفى هؤلاء جرائمهم تجاه حقوقنا وحرياتنا وفشل سياساتهم ووضعية «الحكومة فاقدة المصداقية» التى فرضوها على البلاد، ولا نحتاج أبدا لإنتاج صراخ وضجيج غير موضوعيين ولا ممارسة المكارثية المعكوسة بادعاء احتكارنا نحن للحقيقة المطلقة وللملكية الحصرية للحديث باسم الوطنية المصرية.
تعنى المطالبة بالمشاركة فى إدارة الشأن العام وبالاختيار الحر للمسئولين ومحاسبتهم التركيز فى توعيتنا للناس وفى تواصلنا معهم على حقنا فى معرفة تفاصيل الأوضاع المصرية، وإلزام الحكومة بالشفافية فيما خص القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الأساسية وغيرها. تعنى أيضا التمسك بحقنا فى الوصول إلى تنظيم ديمقراطى يدير شئون المواطن والمجتمع والدولة فى إطار من سيادة القانون وتداول السلطة والانتخابات التعددية، والسلطوية الحاكمة تتناقض فى نهجها وسياساتها وتفاصيلها مع التنظيم الديمقراطى، وتغييرها وإنهاء مظالمها وانتهاكاتها ضرورتان وطنيتان.
ولكى نبلغ ذلك علينا التفكير بموضوعية فى سبل مقاومة السلطوية ومواجهتها بسلمية على مستويات متنوعة، من إجلاء حقيقة فشل سياساتها إلى تثبيت حقنا العام فى التنظيم الديمقراطى والربط بينه وبين معالجات جادة وغير تلفيقية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها.