للأسف نجح الإرهاب فى أن يجعلنا نغير نمط وأسلوب حياتنا بعد أكثر من ثلاث سنوات من العمليات الإرهابية المتواصلة، بدأت بعد لحظات من ثورة ٣٠ يونيو التى أخرجت جماعة الإخوان من الحكم.
ما أقصده بتغيير نمط حياتنا، هو إصرار الحكومات والمجتمعات الغربية ورد فعلهم بعد أى عمليات ارهابية تقع عندهم، والذى يتلخص فى الإجابة الأساسية للمسئولين والنخبة وأجهزة الإعلام لديهم وهى: «الإرهاب يحاول أن يجعلنا نغير أسلوب حياتنا، لكننا لن نعطيه الفرصة، وسوف نواصل حياتنا كما هى، لأن ذلك هو أفضل طريقة للتصدى للإرهاب وهزيمته».
إذا لم نكن نسينا فإن الإرهابيين استهدفوا العديد من رموز الحياة الغربية مثل الملاهى والمقاهى والشواطئ والملاعب. ومع فارق القياس فإن أحد الإرهابيين مثلا استهدف ملهى فى أورلاندو الأمريكية يخص المثليين جنسيا، ظنا أن ذلك سوف يجلب للإرهابيين التعاطف، لكن الذى حدث أن غالبية العرب والمسلمين أدانت الحادث باعتبار أن الضحايا هم بشر أولا وأخيرا، والملهى لم يغلق أبوابه، واستمرت الحياة كما هى.
كنت أتمنى ألا نعلن حالة الطوارئ، حتى لا نعطى للإرهابيين الإحساس بأنهم انتصروا علينا، وجعلونا نقبل بأن نغير نمط حياتنا. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
بالطبع أعرف وأقدر الدوافع التى جعلت مجلس الدفاع الوطنى يتخذ هذا القرار الصعب للمرة الأولى منذ إسقاط حالة الطوارئ عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. فأنهار الدماء مستمرة فى التدفق، وجرأة الإرهابيين تتزايد، والبعض صار يبرر لهم جرائمهم.
من الواضح أن كل الطرق والاستراتيجيات السابقة لم تنجح فى مقاومة الإرهاب ودحره، والدليل انه يتزايد وينتشر للأسف، وبالتالى فقد وجب التفكير فى استراتيجية جديدة وشاملة لنكون معها مطمئنين، بأننا بدأنا السير على الطريق الصحيح فى مقاومة الإرهاب والتطرف.
وفى هذا الصدد أتمنى ألا نحقق بقية أهداف وتمنيات الإرهابيين، الذين يحلمون بأن تتحول كل حياتنا إلى طوارئ، ظنا أن ذلك سيقود إلى زيادة غضب قطاعات شعبية كثيرة ضد سياسات الحكومة والنظام بأكمله، الأمر الذى يساعدهم فى تحقيق ما يحلمون به. هذا التفكير ليس قاصرا على داعش فقط، أو حتى جماعة الإخوان، بل انتقل إلى قطاعات واسعة من المعارضين تحلم بسقوط الحكومة بأى طريقة، من دون أن يكون لديها أى تصور عن اللحظة التالية التى سيحدث فيها ذلك!!.
على الحكومة أن تتذكر أن حالة الطوارئ ظلت مفروضة ٣٠ عاما تقريبا طوال عهد مبارك، لكن ذلك لم يكن السبب الاساسى فى القضاء على العمليات الارهابية التى استمرت بلا توقف من 1990 إلى 1998.
والارهابيون ينسون أن المواطنين العاديين كانوا يفرقون بين معارضتهم السياسية لنظام حسنى مبارك نوبين معارضتهم الأشد وكراهيتهم للإرهاب والإرهابيين، وهم يمارسون جرائمهم منذ قتل الرئيس الأسبق أنور السادات فى ٦ أكتوبر ١٩٨١ ومرورا بثمانى سنوات من الإرهاب المستمر ضد كل المجتمع من المسئولين إلى الكنائس والسياحة وسائر المنشآت مرورا بقتل الأطفال والمدنيين خصوصا الطفلة شيماء فى مصر الجديدة، ومقهى وادى النيل بالتحرير.
أتمنى أيضا ألا تتحول الطوارئ ضد الإرهابيين إلى طوارئ ضد الحريات والأحزاب والنقابات.
وعلى الحكومة أن تدرك جيدا أن الإعلام الوطنى الحر هو أفضل حائط صد ضد الإرهاب والإرهابيين والفاسدين، لأن بعض الفاسدين والمنحرفين قد يستغلون حالة الطوارئ لحماية أنفسهم أولا والكيد للمخلصين ثانيا بحجة أنهم ارهابيون أو داعمون للارهاب!!. وبالتالى يصبح السؤال الجوهرى هو: كيف نستغل الطوارئ فى محاربة الإرهاب فقط، من دون أن تتحول سلاحا لقمع الحريات وحماية الفساد؟!!.
استمرار الحياة الطبيعية للمصريين هو أفضل سلاح لمواجهة الإرهابيين. طبيعى أن نعلن الحداد لثلاثة أيام، لكن علينا أن نجعل حياتنا تستمر بكل ما فيها، حتى لا يشعر الإرهابيون والمتطرفون أنهم نجحوا فى تنفيذ مخططهم.
خالص العزاء لأسر الضحايا والمصابين وحفظ الله مصر من كل سوء.