لرئيس الجمهورية متحدث رسمى، وجيش من المستشارين والمساعدين، ورغم ذلك يسلك النائب الإخوانى والقيادى بحزب الحرية والعدالة حسن البرنس وكأنه حامل أختام الرئيس والمعبر عنه.
إن أحدا لا يصادر فرحة البرنس بأن رئيس مصر الآن قادم من جماعته وحزبه، ولا يمكن لأحد أن يمنعه من التعبير عن هذه الفرحة، عبر تصريحات ومداخلات لا تتوقف، غير أنه فى قضية بخطورة وحجم إقالة رئيس الهيئة العربية والتصنيع اللواء حمدى وهيبة لا يمكن تصور أن تترك المسألة لتصريحات برنس الإخوان.
وإذا كان الرجل قد أقيل من منصبه نتيجة مخالفات أو شبهات بالتربح فلا يجوز أبدا أن توكل مهمة شرح أسباب وأبعاد الإقالة للنائب الإخوانى، أو حتى يسمح له بأن يفعلها تطوعا، وكأنه العالم ببواطن الأمور.
لقد ذكر البرنس فى تغريداته أن الإقالة جاءت عقب لقاء جمع بين رئيس الدولة ورئيس الهيئة، عرض فيه الأخير عشرة بالمائة من أرباح الهيئة العربية للتصنيع على الدكتور مرسى، فيما اختص نفسه بثلاثة فى المائة من الأرباح.. وهذا كلام شديد الخطورة، لأن معناه ببساطة أحد شيئين: إما أن البرنس حضر لقاء القسمة، وإما أن أحدا أوحى إليه بما دار من حوار، وأذن له بالكشف عنه، وكأنه لا يوجد متحدث باسم الرئاسة، ولا مستشارون ومساعدون للرئيس ينوبون عنه فى توضيح الحقائق للرأى العام.
ويندرج ما قام به الدكتور البرنس تحت فكرة «الاستباحة» السائدة هذه الأيام، والتى تعطى الحق لكل أنصار ومؤيدى الرئيس فى الحديث عن ذمم الناس المالية والأخلاقية، والتفتيش فى ضمائرهم والتشهير بهم، بلا حسيب أو رقيب.
ولا معنى لتسريبات البرنس المغرد عن إقالة اللواء وهيبة سوى أن رئيس الهيئة العربية للتصنيع متهم فى ذمته المالية، وهذه أشياء ــ إن صحت ــ من المفترض أن يكون المعنى بها أجهزة الدولة الرقابية، فلدينا جهاز الرقابة الإدارية، ولدينا الجهاز المركزى للمحاسبات، وكان من المنتظر لو أن وراء قرار الإقالة شبهات من هذا النوع أن يضطلعا بهذه المهمة احتراما للرأى العام، وتحقيقا لمبدأ الشفافية الذى أعلن الدكتور مرسى التزامه به.
وحسنا فعل اللواء حمدى وهيبة بإعلانه اللجوء للقضاء وإبلاغ النيابة العامة بما ورد من معلومات خطيرة على لسان البرنس، فإما يظهر أنه برىء مما نسب إليه، أو يكون العكس، وفى كل الأحوال نحن بصدد تجسيد لحالة استباحة شخصية لمهام أجهزة ضخمة فى الدولة دورها هو توجيه الاتهام فى هذا النوع من القضايا.
وليس بعيدا عن فكرة الاستباحة الممتدة بطول البلاد وعرضها هذه الأيام ما أعلنه القيادى الإخوانى الكبير ورئيس مجلس الشعب المنحل الدكتور سعد الكتاتنى عن عودة البرلمان قريبا، وهذه أخطر أنواع الاستباحة، لأن الرجل هنا يستبيح حكم الدستورية العليا، وهى أرفع مراتب القضاء فى مصر.
ولا تختلف هذه الاستباحات الفردية عما يفعله شيوخ الفضائيات الذين يعتبرون أعراض الناس ومكنوناتهم وكأنها كلأ مباح، مخلفين وراءهم عشرات الشهداء، المزيفين منهم والحقيقيين.