لقد شهدتُ فى الفترة التى توليت فيها مناصب وزارية فى الحكومات الإسرائيلية خلافات مع الإدارة الأمريكية، وقد شاركتُ فى بعضها عندما كنت وزيرة للخارجية. لكننا كنا نعرف دائما كيف نبقى هذه الخلافات بعيدة عن الأنظار، وكنا ندرك أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة مهمة جدا، ويجب أن تبقى قوية. ونحن بحاجة اليوم أكثر من أى وقت مضى إلى أن تبقى هذه العلاقة قوية ووثيقة وحميمة ومتبادلة، ولا سيما فى ظل التغييرات فى الشرق الأوسط، التى يصفها البعض بـ«الربيع العربى» فى حين يرى آخرون أنها شتاء إسلامى.
إن ظهور إسرائيل كموضوع فى الانتخابات الأمريكية أمر مضر بها، وقد يكون مدمرا لها على المدى البعيد، ولذا يجب أن نبذل جهدا لإبعادها عنها. فعلى كل حكومة إسرائيلية التعاون مع أى إدارة أمريكية بغض النظر عن توجهاتها، والعكس بالعكس.
كانت إسرائيل منذ نشوئها فى حالة حرب مع القوى الإسلامية الراديكالية التى رفضت الاعتراف بوجودها فى هذا الجزء من العالم، والتى لم تكن تفرق بينها وبين الولايات المتحدة. فعندما كانت هذه القوى تحرق العلمين الإسرائيلى والأمريكى، كانت تشعر بأنها تحرق نظام القيم المشترك بين هاتين الدولتين.
مما لا شك فيه أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تشكل جزءا لا يتجزأ من الردع الإسرائيلى، فالدعم الاقتصادى والعسكرى الذى يقدمه الأمريكيون هو الذى جعل الجيش الإسرائيلى أقوى جيوش المنطقة. بيد أن الردع الإسرائيلى لا يستند إلى هذين العاملين فقط، بل يعود أيضا إلى إدراك خصومنا فى المنطقة أنهم إذا اعتدوا على إسرائيل فهى لن تقف وحيدة فى مواجهتهم، وإنما ستكون الولايات المتحدة دائما إلى جانبها.
ومن أجل المحافظة على هذه العلاقات الإسرائيلية ــ الأمريكية المميزة، يتعين علينا أن نغير طريقة كلامنا، وأن نخفض لهجتنا، وأن نتبنى الكلام الذى قاله الرئيس كنيدى فى خطابه الافتتاحى الذى دعا فيه الأمريكيين إلى عدم الاكتفاء بالتساؤل عما يمكن أن تفعله الدولة من أجلهم وإنما ما يمكن أن يفعلوه هم من أجل دولتهم. من هنا على رئيس الحكومة الإسرائيلية، لدى اجتماعه بالرئيس الأمريكى، أن يبحث معه فى كيفية مواجهة هاتين الدولتين التحديات معا، وليس فى كيفية مساعدة أمريكا لإسرائيل. فثمة الكثير من القيم والمصالح المشتركة بين الدولتين، والتى تحتاج إلى من يدافع عنها، ومن الضرورى الاتفاق على مسار العمل المطلوب فى ظل التغييرات والتهديدات التى تمر بها المنطقة.
من الواضح أن إيران تشكل مشكلة بالنسبة إلى العالم كله، والتحرك الأمريكى ضدها لن يجرى بسبب حاجة إسرائيل إلى ذلك أو استجابة لطلبها، وإنما لأن المصالح الأمريكية معرضة للخطر. ففى هذه المنطقة الصعبة التى نعيش فيها، إمّا أن تتغلب على من يتحداك وإمّا أن تنضم إليه. ففى حال أدركت دول المنطقة أن إيران على وشك امتلاك السلاح النووى، فإن موكب الزعماء وقادة الدول الذى رأيناه الأسبوع الماضى فى طهران بمناسبة انعقاد قمة دول عدم الانحياز سيكون البداية فقط، وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به الولايات المتحدة، وخصوصا فيما يتعلق بدول المعسكر البراغماتى التى تمثل المصالح الأمريكية فى المنطقة.
وكما هى واضحة اليوم حاجتنا إلى التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات، يجب أن يكون واضحا أيضا أن التوصل إلى تسوية سياسية مع الفلسطينيين هو مصلحة إسرائيلية ــ أمريكية مشتركة أكثر مما هو خدمة تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة.
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية