المهاجرون من ميادين الثورة - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأربعاء 22 يناير 2025 11:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المهاجرون من ميادين الثورة

نشر فى : الأربعاء 10 أكتوبر 2012 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 10 أكتوبر 2012 - 8:15 ص

كانت مفاجأة مدهشة حين علمت أن الموظف الأنيق فى أحد فنادق العاصمة الدانماركية كوبنهاجن شاب مصرى مثقف من جيل ثورة ٢٥ يناير.

 

اسمه عمرو طبيب شاب نابه قرر استكمال دراساته العليا فى الطب بالخارج، غير أن قصته قبل أن يتخذ قرار السفرة تستحق أن تروى.

 

هو واحد من أطباء الثورة، هؤلاء الشباب والشابات الرائعون الذين أقاموا عياداتهم فى قلب الميدان بعد ٢٥ يناير، حيث ودع أهله وترك منزله فى سوهاج وصعد مع الجموع إلى ملامسة حلم التغيير بالتحرير، وطوال أيام الثورة مر على طبيب الأوعية الدموية الشاب عدد كبير من الشهداء والمصابين، وحفظ وجوها عبرت من حياتنا وأخرى بقيت على قيد الحياة، وتنفس مع الملايين أملا فى مستقبل أكثر احتراما وإنسانية لمصر جديدة.

 

وبعد أن نجحت الثورة فى إزاحة رأس نظام فاسد، كان الطبيب الشاب مثل ملايين غيره ينتظرون فجرا آخر، يلامسون ضوءه فى استكمال مسيرتهم الدراسية والعملية، غير أن جذوة الحلم أخذت تخبو رويدا رويدا، بفعل سياسات منحازة قلبا وقالبا للنظام القديم، الأمر الذى أعاد تكوين غيوم الإحباط والإحساس باللاجدوى مرة أخرى.

 

لقد كان هذا الطبيب المسافر أو المهاجر أو المغادر ضمن مئات الآلاف من الشباب كانوا يصرخون من أعماقهم «لا نشعر بالتغيير» ومن هنا كان خروجه، فعمل فى وظيفة فى فندق بالعاصمة كوبنهاجن كى يستطيع توفير نفقات معيشته وبدأ يدرس على مستويين، تخصصه الطبى، وبالتوازى تعلم اللغة الدانماركية لكى يكتسب مهارات الإقامة.

 

وهذا الشاب ليس نادما على أنه صدق أن فى مصر قامت ثورة، لكنه يأسف لهذه العادة المصرية الراسخة فى تبديد الانتصارات وتحويل المكاسب إلى خسائر بفعل الغفلة والإهمال والجهل أحيانا، ومثله مثل زملائه يمتلئ يقينا بأن الدماء التى سالت لم ولن تذهب هدرا، وأن الثورة ستكمل دورتها، شاء من شاء وأبى من أبى، وتحايل من تحايل.

 

إن ما يثير حزنه وغضبه سؤال ستجده فى عيون كثيرة وتسمعه على ألسنة أكثر: لماذا نكتفى دائما بعبور منتصف البحيرة، ونبقى بعيدا عن الشاطئ، لا نحن نصل للضفة الأخرى، ولا نعود للبداية؟

 

إنه نموذج لمن ضربتهم أمواج الأسى على الفرص المهدرة، وفى اللحظة التى كانوا فيها على بعد خطوة من اقتناص الحلم المستحيل، يأتى من يقطع الطريق ويعرقل الحركة فيصير الأمل بعيدا مرة أخرى.

 

وأزعم أن هؤلاء وهم بالملايين فى الداخل والخارج لن يقبلوا بشبه ثورة أو نصف ثمرة، لأنهم اجتهدوا وتعبوا وقدموا الإجابة الصحيحة والوافية على أسئلة الوطن.. هؤلاء هم ثروة مصر الحقيقية المكتشفة فى الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، ولا ينبغى لدولة تزعم أنها تؤسس لنهضة أن تترك مثل هذه الطيور النادرة كى ترحل وتستقر بعيدا.

 

وائل قنديل كاتب صحفي