فى عدد ديسمبر 2016 من مجلة ACM Communications وهى مجلة شهرية تصدر عن (Association of Computing Machinery) أو رابطة ألات الحاسبات وهى إحدى أكبر مؤسستين فى العالم لمن يعمل فى مجال هندسة وعلوم الحاسبات (الأخرى هى IEEE وتجمع بين مهندسين الحاسبات والكهرباء) كان هناك مقال هام آثرت مناقشته فى مقالنا اليوم، عادة المقالات فى مجلات هاتين المؤسستين تكون متخصصة وغير ذات معنى لغير أهل التخصص ولكن بين الحين والآخر نجد مقالاً أو إثنين مهمين للجميع، المقال الذى نتكلم عنه اليوم بعنوان “Learning to Learn” أو "تعليم التعلم". بمعنى آخر: تعلم كيف تتعلم، يناقش المقال الصعوبات التى تواجه المتعلم وكيفية مواجهاتها، نحن هنا لا نتكلم عن التعليم النظامى فى المدرسة أو الجامعة بل نتكلم عن التعليم المستمر فى حياتك العملية، أي تخصص يتغير ويتطور فما تعلمته فى الجامعة يصبح غير ذى قيمة بعد عدة سنوات خصوصاً التخصصات العلمية والهندسية بل إن مناهج البحث (والتى تستخدم حتى فى الكثير من التخصصات الأدبية) تتغير وتتطور فإذا توقفت معلوماتك عند سنة تخرجك (وإذا سلمنا أساساً أن معلوماتك كانت قوية آنذاك) فسيتفوق عليك من يأتى بعدك من حديثى التخرج وقد تحاول إخفاء حرجك عن طريق وضع عقبات وهمية أمام التجديد أو حتى استخدام سلطة الأقدمية لإسكات الأجيال الجديدة بحجة أنها لا خبرة لها (وقد تحدثنا عن موضوع الخبرة في مقال سابق)، أما إذا كنت من الأشخاص أسوياء السريرة والذين يهمهم فعلاً نجاح العمل فقد يعتصرك الحزن لأنك لا تستطيع أن تجارى الأجيال الجديدة أو التطورات السريعة وتحس أن الزمن قد تجاوزك. إذا فعلينا أن نتجنب السيناريوهات الحزينة السابقة ونحاول أن نتعلم باستمرار ... لكن هذا ليس سهلاً على الإطلاق. لنرى ماهى الصعوبات التى ذكرها المقال المشار إليه وسنحاول أن نضيف عليه ما ينطبق علينا فى مصر ونحاول أن نجد حلولاً ولو صغيرة كبداية.
يتناول المقال الصعوبات التى تواجه من يريد أن يتعلم: أولاً طريقة التعليم والعمل التى تعودنا عليها لا تساعد على التعلُم المستمر لأن التعلُم يحتاج أن نخطئ ثم ندرك الخطأ ونتعلم منه ولكن نظام المدرسة والجامعة عودنا على أن الأخطاء تعنى درجات أقل ونظام العمل عودنا على أن الأخطاء تعنى خصم من المرتب أو تقرير سئ عن المستوى وهذا يجعلنا نحاول الإبتعاد عن الأخطاء ومن ثم نكون تحت ضغط مستمر، ثانيا حتى مع استخدام التكنولوجيا فى التدريب (مثل نظم المحاكاة مثلاً) والتى تسمح بالأخطاء نجد أن الكثيرين (خاصة الذين تخرجوا منذ مدة ليست بالقصيرة) يشعرون بالإحباط عندما لا يتعلمون بالسرعة الكافية، ثالثاً حتى مع وجود الإنترنت والكثير من المحاضرات والمقالات فى كل المعارف الإنسانية تقريباً نجد الكثيرين الذين يشعرون بالعجز عن التعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات مما يصيبهم بالشلل الفكرى، يمكننا أن نزيد نقطعة رابعة لم يأت ذكرها فى المقال وهى عدم وجود وقت كاف فالشخص يقضى وقتاً طويلاً فى الذهاب والعودة من العمل ويعود متعباً والوقت المتبقى (والعطلات الأسبوعية) ينفق فى مسؤوليات عائلية فمتى نتعلم؟
قبل أن نحاول الإجابة على تلك الأسئلة هناك نقطة مهمة يثيرها المقال والتى أخذها من ورقة علمية نشرت عام 1980 عن درجات التمكن من المهارة (أو المادة العلمية أو ...) المراد تعلمها، الدرجة الأولى هى المبتدئ: وهو شخص يعلم أهمية المهارة ويرغب فى تعلمها، الدرجة الثانية هى المبتدئ المتقدم: وهو الشخص الذى تعلم أساسيات المهارة ولكنه مازال يحتاج بعض التوجيه، الدرجة الثالثة هى المتخصص: وهو الذى تمكن من المهارة ولا يحتاج توجيه ولكنه قد يطلب المساعدة أو النصح فى بعض الحالات النادرة، الدرجة الرابعة هى الماهر: وهو ليس فقط متخصص ولكنه بيدع فى عمله وأداءه لهذه المهارة، الدرجة الخامسة هى الخبير: وهو من تمكن من أداء المهارة لمدة طويلة وأصبح ماهراً فيها وتعلم من أخطاءه، وأخيراً الدرجة السادسة وهى الأستاذ: وهو من يطور المهارة نفسها لتتلائم مع تغير التكنولوجيا ومتطلبات العمل.
إذا نظرنا إلى هذه الدرجات نجد أغلبها تتبع حالات نفسية مثل الرغبة فى التعلم وعدم الخجل من السؤال عما نجهل (حتى وإن كانوا أقل فى السن أو السلم الوظيفى) والطموح للوصول إلى درجات أعلى والصبر عليها مع عدم التعجل أو الغرور أو اليأس ... أعلم تماماً أن هذا يشبه ما سمعناه مراراً فى برامج تطوير الذات وقرأناه فى كتب التنمية البشرية ولكن هذا ما أكده علم النفس وكثرة تكراره لا يفرغه من معناه ... يعنى "مش كلام إنشا"!
إذا فأول خطوة للتغلب على الصعوبات التى ذكرناها هى تهيئة نفسك لذلك: هل عندك استعداد للتعلم وسؤال من هم أقل منك؟ أم تخاف أن تصبح مثار سخريتهم؟ دعنى أؤكد لك أن الرغبة فى التعلم لن تجلب لك إلا كل الإحترام من الصغار والكبار ومن يسخر من ذلك فإنما يحاول إخفاء فشله هو، تعلم مهارة ما يأخذ وقتاً فالذى يقول سأتعلم لغة ما فى أسبوع إنما يخدع نفسه أو يحاول التفاخر أمام الآخرين فتمهل وأنت تتعلم.
بعد الاستعاد النفسي تأتى الخطوة الثانية وهى معرفة المهارة التى تريد تعلمها وفائدتها لك ولعملك وتقدمك وهذا قد تعرفه بنفسك أو قد تتحدث فيه مع آخرين، الخطوة الثالثة هى معرفة كيفية التدرب على هذه المهارة وهنا يجب أن تسأل الخبراء فيها أو تستعين بالإنترنت، إن موقع مثل quora فيه الكثير من الأسئلة والتى يجاوب عنها الخبراء وغير الخبراء فيمكنك البحث عن السؤال (أو إسأله بنفسك إن لم تجده) وستجد الإجابة من الجماهير، إقرأ كل الإجابات، تأتى الخطوة الرابعة وهى التوجيه والتعلم من الأخطاء، هناك عدة طرق (حسب المهارة المراد تعلمها): إما أن تجد مجموعة من زملاء العمل أو الأصدقاء يرغبون فى تعلم هذه المهارة فيمكن أن تساعدوا بعضكم البعض عن طريق المقابلة أو الإنترنت، أو تستخدم المواد العلمية على الإنترنت حيث يمكنك دراسة مادة علمية وحل تمارين ومناقشتها مع الآخرين وفى وقت فراغك، نأتى هنا لسؤال الوقت: من أين نأتى بالوقت؟ هل يمكنك سماع كتاب صوتى أثناء القيادة؟ أو إن كنت لا تقود وتستخدم المواصلات هلى يمكنك التدريب على الكمبيوتر أو التليفون (الذى هو فى الحقيقة كمبيوتر أيضاً!)؟ هل يمكنك توفير ساعة فى الأسبوع للتدريب؟
وأخيراً هل يمكننا أن نتوقف عن قول "بعد ما شاب ودوه الكتاب"؟ أو "يا عم إحنا فى إيه ولا فى إيه"؟