أحد الوعدين سيفشل - إبراهيم الهضيبى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحد الوعدين سيفشل

نشر فى : الجمعة 11 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 يناير 2013 - 8:00 ص

أحد أكثر الظواهر السياسية تكشفا فى الأشهر الماضية هى محاولة الإدارة السياسية الحالية ــ باسم التوافق، وبسبب غياب الرؤية الواضحة للتغيير ــ التوفيق بين مشروعين متناقضين للحكم، وستؤدى استحالة الجمع بينهما لفشل أحدهما على الأقل، وسيفشل معه المشروع السياسى للحاكمين لو لم يغيروا منهجهم.

 

وصل الإخوان المسلمون للحكم فى مصر ــ تشريعا وتنفيذا ــ قبل إنضاج مشروعهم السياسى، وفى ظل غياب رؤية حاكمة لكيفية التعامل مع المشكلات الحالة وإنفاذ وعود التغيير التى حملتها شعاراتهم الانتخابية (كمشروع النهضة، والإسلام هو الحل)، فكانت نتيجة ذلك أن غابت المعايير التى يمكن أن يقاس النجاح عليها، ولم يبق للنجاح إلا معيار يتسق مع الخبرة التنظيمية للجماعة، التى فرضت عليها عقود القمع أن تكافح طويلا من أجل البقاء، فصار البقاء فى الحكم هدفا بقطع النظر عن الأهداف التى يحققها هذا الحكم، أى أنه صار هدفا لا وسيلة، لأن عدمه يعنى الفشل الحتمى من منظور تنظيمى.

 

وفى ظل الطبيعة السياسية المحافظة للجماعة ــ التى لا تراهن كثيرا على الفعل الشعبى والتغيير الجذرى ــ كان الحرص على البقاء يعنى اتجاه القيادة السياسية لاستبعاد الفاعل الشعبى من حساباتها، والسعى للوصول لتفاهمات مع الأطراف السياسية الأقوى، وهى الركائز المحلية والأقليمية التى استند إليها حكم مبارك، أى كبار رجال الدولة وكبار رجال الأعمال الذين مثلوا الركيزة الداخلية لحكمه، وحلف «محور الاعتدال» الذى تأسست عليه سياسة مصر الخارجية، وجوهر التفاهمات هو الحفاظ على المصالح المؤسسية لتلك الجهات، وعدم إدخال تعديلات بنوية تؤثر على توازنات القوى الإقليمية.

 

وفى المقابل يحتاج الإخوان ــ لأجل تماسك التنظيم، وللحفاظ على قدر من التأييد من خارج التنظيم يضمن لهم عدم الانقضاض على حكمهم من قبل تلك الأطراف ــ لإشعار أنصارهم بأنهم لم يتخلوا عن وعود التغيير، وهو ما يتطلب تقديم «إنجازات» فى هذا الملف يشترط ــ لئلا تنتقض التفاهمات ــ ألا تتعلق بالمصالح المؤسسية للأطراف الأقوى، فتكون النتيجة، فى المحصلة الأخيرة، الحفاظ على تلك المصالح، مع اللجوء لخطاب شعبوى، وتعديلات هامشية فى السياسات والقرارات من شأنها الحفاظ على تماسك الكتلة الداعمة للرئيس.

 

يبدو هذا واضحا ــ على سبيل المثال ــ فى الموقف من المؤسسة العسكرية، إذ قام الرئيس بإقالة أهم قيادات المجلس العسكرى، فهلل أنصاره لذلك باعتباره «إنهاء لحكم العسكر»، ودفعا باتجاه التغيير الذى وعد به، بيد أن الدستور الجديد ــ الذى كان الإخوان أكثر الأطراف دفاعا عنه وتبنيا له ــ قام بدسترة وضع خاص للمؤسسة العسكرية، يبقيها مستقلة عن السيادة الشعبية، خارجة عن نطاق الرقابة المدنية، ويحافظ على المصالح السياسية والاقتصادية لقياداتها، كما أن القيادات المقالة ــ والمسئولة سياسيا بحكم مواقعها عن سقوط الشهداء فى الأشهر التى أعقبت خلع مبارك ــ تم تكريمها من قبل الرئيس، ولم يتم التحقيق معها بشأن جرائم القتل المتلاحقة فى التحرير وأمام السفارة الإسرائيلية وفى العباسية وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد ومحمد محمود 2 والعباسية 2 وغيرها.

 

ولا يختلف الوضع كثيرا عند الحديث عن مصالح كبار رجال الأعمال، ففى حين يتناولهم الرئيس فى خطاباته باعتبارهم ممولى الثورة المضادة، يبقى بعضهم ــ ممن كانوا فى دوائر المقربين من مبارك ــ فى دوائر صنع القرار، ويصحبهم فى رحلاته الخارجية، ولا يزال رجال الأعمال الفئة الاجتماعية الوحيدة التى تتمتع بعلاقة خاصة مع مؤسسة الرئاسة (خارج النطاق الديمقراطى)، ولا يزال انحياز الدولة لمصالحهم ــ على حساب مصالح العاملين ــ باديا فى الدستور، الذى يقيد العمل النقابى مقابل إطلاق العمل الأهلى والخيرى، وغاية ما يتم فى هذا الملف استبدال رجال أعمال الإخوان ببعض رجال أعمال النظام السابق، والحفاظ على آخرين يمتلكون نفوذا أكبر.

 

وأما على صعيد السياسة الخارجية فلم تتجاوز التغييرات الإطار الجزئى، الذى لا يخرج مصر من أسر حلف الاعتدال الموالى للولايات المتحدة، فالرئيس الذى يفخر أنصاره بأنه لم يذكر كلمة «إسرائيل» فى أى من خطاباته كان أكثر تدميرا للأنفاق الموصلة لقطاع غزة من سلفه المخلوع (بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلى)، كما أن القيادة السياسية أكدت مرارا لا التزامها باتفاقية كامب ديفيد فحسب، وإنما التزامها كذلك باتفاقية التبادل الاقتصادى (الكويز) مع الطرف الإسرائيلى، ولا يزال التحرك السياسى المصرى فيما يتعلق بالثورة السورية تابعا لتحركات هذا المحور (وفيه ــ إضافة لإسرائيل ــ أمريكا والسعودية)، ولم تتخذ مصر بعد موقفا مستقلا حيال سوريا يتجاوز حدود الكلمات.

 

ومحاولة أنصار الرئيس تسويق اتفاق التهدئة الذى وصلت إليه المقاومة الفلسطينية مع إسرائيل بعد سبعة أيام من الحرب باعتباره نجاحا لسياساته يفتقر للدقة، إذ كانت قدرة المقاومة الفلسطينية على الردع المتمثلة فى ضرب العمق الإسرائيلى بالصواريخ ــ والتى ساهمت فيها الثورة المصرية بإضعافها السيطرة العسكرية على تهريب السلاح للقطاع ــ هى السبب لهرولة إسرائيل لطلب التهدئة، وفق الشروط التى أرادها الفلسطينيون.

 

لن ينجح الرئيس ومن معه فى الوفاء بالوعدين معا: وعد الحفاظ على المصالح للأطراف الأقوى ووعد التغيير المنحاز لحقوق الأعداد الأكبر، إذ بين الوعدين تناقضات مركزية، من الممكن أن يُغَض الطرف عنها فى تفاهمات الغرف المغلقة، التى لا يعلم الأنصار ما يجرى فيها، بيد أن لحظات المواجهات دوما تكشفها، كلحظة الدستور التى كشفت موقف الإخوان من العسكر الذين دستروا حكمه (بعد أن كانوا من المنادين بإسقاطه)، ولحظة حرب غزة التى اضطرت الساسة فى مصر لاتخاذ مواقف أكثر جدية فى سبيل تخفيف الحصار على القطاع بعد خمسة أشهر من حكم مرسى كانت الأوضاع خلالها قريبة منها وقت مبارك.

 

وفى ظل استمرار الحراك الشعبى، وغياب العصا الأمنية التى كانت تقمعه، فإن هذه التناقضات ستستمر فى التكشف، وسيفقد الحكام بسببها الكثير من شرعيتهم السياسية، من غير أن يكونوا قد نجحوا ــ فى المقابل ــ فى الوفاء بالتزامات الغرف المغلقة، أو تحصيل بعض ثمارها.

التعليقات