الكويز وصندوق النقد ومصالح واشنطن - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الأربعاء 27 نوفمبر 2024 11:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكويز وصندوق النقد ومصالح واشنطن

نشر فى : الجمعة 11 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 11 يناير 2013 - 8:00 ص

من الوهلة الأولى قد لا يبدو أن هناك علاقة بين قرض صندوق النقد الدولى المنتظر وبين تعديل اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة، المعروفة اختصارا باسم (الكويز)، والموقعة بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة. إلا أن تزامن حدثين مهمين خلال الأسبوع المنتهى يسهل من الربط بينهما، ووضعهما جنبا إلى جنب فى صورة أكبر لهيكل علاقات لم يتغير بين مصر والولايات المتحدة منذ بدء ثورة 25 يناير وحتى الآن.

 

الحدث الأول جرى فى واشنطن حيث عقدت لقاءات مهمة بين مسئولين مصريين وإسرائيليين وأمريكيين بهدف بحث تعديل اتفاقية الكويز الموقعة عام 2004 بين الدول الثلاث. إذ بحث مسئولون مصريون مع نظراء إسرائيليين وأمريكيين طلبات تتعلق بتعديل اتفاقية الكويز لتزيد معها عدد المناطق المؤهلة من أربع إلى سبع مناطق، وأن يتم خفض المكون الإسرائيلى فى المنتجات المصدر إلى 8% بدلا من 10.5% المتبع حاليا.

 

وكانت القاهرة مقر الحدث الثانى الذى تمثل فى زيارة وفد صندوق النقد الدولى لبحث طلب الحكومة المصرية للحصول على قرض قيمته 4.8 مليار دولار، وبحث التفاصيل المتعلقة به. وقابل يوم الاثنين الماضى السيد مسعود أحمد، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولى، كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزى ووزير المالية ووزير التخطيط والتعاون الدولى، وعدد آخر من المسئولين، وخرج بعد هذه المقابلات ليؤكد أن «الحكومة المصرية جددت طلبها الحصول على دعم مالى من صندوق النقد الدولى.. وعلى عزم الحكومة اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الانضباط فى قطاع المالية العامة».

 

وقعت مصر بروتوكولا عرف باسم الكويز فى ديسمبر 2004، وهو عبارة عن ترتيبات تسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية دون جمارك أو حصص محددة شرط توافر مكون إسرائيلى فى هذه المنتجات لا تقل نسبته عن 11.7%، ثم تم تخفيض نسبة المكون الإسرائيل إلى 10.5%. وبموجب الاتفاق تمت إقامة أربع مناطق صناعية مؤهلة فى مصر فى منطقة القاهرة الكبرى، ومنطقة الإسكندرية، ومنطقة قناة السويس ومنطقة وسط الدلتا. وهدفت واشنطن من هذه الاتفاقية دعم اتفاق السلام المصرى ــ الإسرائيلى، الذى هو أحد أهم أعمدة استراتيجيتها فى الشرق الأوسط، عن طريق فرض تطبيع (اقتصادي) على رجال الأعمال المصريين مع نظرائهم الاسرائيليين. وكانت تجربة ربع قرن من السلام بين مصر وإسرائيل قد فشلت فى أن تؤتى أى ثمار تطبيعيه على المستوى الشعبى أو الفنى أو الثقافى. وتكشف التقارير الحكومية المصرية وصول عدد المصانع المصرية المشاركة فى الكويز إلى 800 مصنع. وبلغت نسبة إجمالى واردات هذه المصانع من إسرائيل العام الماضى 97.5 مليون دولار، فى حين حققت صادرات الكويز المصرية قيمة بلغت 931.6 مليون دولار خلال نفس العام. ورغم إلغاء الحكومة المصرية لاتفاقيات تصدير الغاز المصرى لإسرائيل العام الماضى، لم تتأثر اتفاقيات الكويز على الاطلاق!

 

وبعد لقاءاته فى القاهرة خرج ممثل صندوق النقد الدولى ليقول أن المسئولين المصريين «قد أعربوا عن تصميمهم على وضع وتنفيذ برنامج اقتصادى وطنى يحظى بتأييد واسع النطاق لمواجهة التحديات الاقتصادية. كذلك أكدت الحكومة مجددا طلبها الحصول على دعم مالى من صندوق النقد الدولى لمساندة هذا البرنامج».

 

وفى نفس اليوم قال الرئيس محمد مرسى لمحطة سى إن إن الأمريكية ردا على سؤال حول قرض الصندوق «إن اجراءات الاقتراض ستنتهى فى وقت قريب»، وأشار الرئيس إلى أن هناك مفاوضات وتعاونا ولكن لا توجد شروط. وذكر «هناك فارق كبير بين التعاون والشروط، فنحن لا نقبل الشروط.. القرض المشروط مرفوض ولكن التعاون فى مجالات متعددة ومنها التعاون الفنى والمعونة الفنية هو المطلوب».

 

تدرك واشنطن أن الاقتصاد المصرى يمر بأزمات خانقة أدت إلى حدوث نقص فى مصادر الطاقة التى يستعملها المصريون يوميا، مع وجود دعم غير مستقر للغذاء والوقود، وخلل هيكلى كبير فى الموازنة العامة. من هنا لم يكن بمستغرب أن تشترط إدارة الرئيس باراك أوباما على الحكومة المصرية تلقيها قرض صندوق النقد البالغ قيمته 4.8 مليار دولار قبل منح مصر أى مساعدات من تلك التى أعلن عنها الرئيس أوباما لدعم دول الربيع العربى والتى تقدر فى مرحلتها الأولى بمليار دولار. وذلك لضمان ربط مصر الجديدة بمنظومة الليبرالية الاقتصادية التى تحدد هى إطارها الواسع.

 

نظرة متأنية على ما تكشفه هذه الاحداث المتقاطعة من ديناميكيات التفاعل بين «أصحاب السلطة» وبين «أصحاب المال» فى مصر والدول الأخرى والمؤسسات المانحة، يظهر مدى تعاون أصحاب المال المسيطرين على الحصة الكبرى من الاقتصاد المصرى مع متخذى القرارات السياسية، أى الحكام، على مقاومة التغيير، وإبقاء الأوضاع على ما هى عليه.

 

طرح للنقاش داخل الولايات المتحدة العديد من الأسئلة حول قضايا متعلقة بمصر بعد 25 يناير مثل مستقبل العلاقات مع القوى الإسلامية الصاعدة، واتجاهات حكام مصر الجدد، ومستقبل العلاقات مع إسرائيل. وكانت كل تلك الأسئلة وغيرها، تثير قلقا وارتباكا كبيرا فى دوائر صنع القرار الامريكى. إلا أنه وبعد مرور ما يزيد على عامين على بدء الثورة، ومرور نصف العام على تولى الرئيس محمد مرسى حكم مصر، يبدو أن قلق واشنطن تضاءل، ولم تعد هناك أسباب موضوعية للقلق من نتائج التغير الدراماتيكى الذى تشهده مصر منذ بدء ثورة 25 يناير قبل عامين.

 

ويبدو أن سعى واشنطن لاستثمار سياسى جديد يضمن لها استمرار خدمة مصالحها الاستراتيجية قد أتى ثماره من خلال ربط النخب السياسية المصرية الجديدة بمراكز القوة التقليدية فى عالم المال والأعمال.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات