فى قاموس ممارسة الحركات والجماعات الإسلامية لم نعرف مصطلح «انتحارى» فى الخبرة المصرية. إرهاب هذه الجماعات يجرى عادة بالاعتداء المباشر على الآخرين، أو استهدافهم بالرصاص، أو التفجير بالقنابل، لكن لم يكن متعارفا عليه أن يقوم شخص بالانتحار من خلال تفجير نفسه وسط تجمع من الناس، يتحول هو وضحاياه إلى اشلاء، وتغطى الدماء كل مكان. فى أعقاب حادث الكنيسة البطرسية فى 11 ديسمبر الماضى، نبه البعض إلى ظاهرة «الانتحارى» التى بدأت تعرف طريقها إلى المجتمع المصرى من بوابة استهداف الأقباط، وتكرر ذات المشهد يوم 9 إبريل فى كنيسة «مار جرجس» فى طنطا، ثم الكنيسة المرقسية بالاسكندرية، وبينما تمهلت «داعش» بعض الشىء قبل إعلان اسم انتحارى الكنيسة البطرسية، فإنها فى غضون ساعات أعلنت اسمى الانتحاريين فى كنيستى طنطا والإسكندرية، وكأنها تعلن أن الانتحاريين جاهزان.
هناك بالتأكيد صعوبة أمنية فى الحيلولة دون وصول الانتحارى إلى تجمعات الناس، لكنه تحدٍ جديد فى المجتمع، قد يبدأ بالأقباط، ثم يمتد إلى اماكن تجمع الناس، ونحن بلد مكتظ بالبشر، يبلغ عدد سكانه مائة مليون، وبالتالى المواصلات العامة، الميادين، الأسواق، أماكن العمل، الشوارع، المقاهى، المساجد، الكنائس، مدرجات الجامعات، والمقرات والكمائن الأمنية، وغيرها جميعا أهداف لأعمال انتحارية، فضلا عن الوسائل التقليدية من تفجيرات، أو اعتداء بأسلحة. هناك دول اكتوت بهذا النار منها العراق، التى فجرت فيها كنائس ومساجد وتجمعات للناس، وغيرها، ونشط فيها كل أنواع التفجير من القنابل إلى البشر.
لا بد أن نكون أمناء مع أنفسنا، نحن مقدمون على مرحلة صعبة، لا يعلم الا الله مداها. ويخطئ من يظن أن الأقباط وحدهم مستهدفون، أو يسرح بخياله المريض متوهما أنه فى أمان طالما أن الإرهاب يستهدف الأقباط وحدهم. وتشير الأدبيات المنثورة المنشورة عن «داعش» أو السلفية الجهادية أن دوائر الاستهداف أوسع مما نظن، وينبغى أن نعرف أن عداءهم مع المجتمع له أسباب عديدة تتجاوز الأقباط أنفسهم.
الإشكالية أن المجتمع من هول صدمة الأحد، يعيش حالة ذهول، تراها فى تعليقات الناس على مواقع التواصل الاجتماعى، بعضها اعادة انتاج لما سبق ذكره أيام أحداث البطرسية، وبعضها اشتباكات معتادة من انتقاد للأزهر أو للكنيسة أو لوزارة الداخلية، وبعضها استدعاء لحديث الوحدة الوطنية، والعلاقات بين المسيحيين والمسلمين، ولكن يبدو أن كل هذا الكلام ــ الذى فيه تكرار وموسميةــ معتاد، لم ندرك بعد هول الأزمة التى نحن نتخبط فيها.
الحل فى أن نفيق على دراسة جادة مثلما يحدث فى دول العالم، نفهم ما يحدث حولنا، دراسات جادة، وضع خطط أمنية جديدة تتناسب مع التحدى، متابعة العائدين من سوريا، والتعرف على طبيعة المهام المكلفين بها، والخلايا التى ينتمون إليها، والسعى لإجهاض تحركاتهم. المطلوب تركيبة جديدة فى التعامل مع موقف جديد.
الواقع صعب..