هل رجال الأعمال ديمقراطيون؟ - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل رجال الأعمال ديمقراطيون؟

نشر فى : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 11 أغسطس 2013 - 9:10 ص

الحقيقة أن هناك الآن مشهدين يقتسمان الساحة فى مصر الأول مشهد «رابعة» بكل ما فيه من تداعيات ابتداء من المسيرات والمشاجرات فى الشوارع، والمهاترات على المنصة، وقصص الأطفال المستأجرين بين الحقيقة والمبالغة. والكذب الإعلامى المتبادل على الجانبين. والإلهاء المستمر لعامة الناس بالمقابلات بين قادة العالم الغربى والعربى بالرئيس المعزول محمد مرسى والاطمئنان على أن ثلاجته عامرة بالمأكولات والمشروبات.

بل إن المشهد أخذنا لحد الانغماس تماما فى تفاصيل الصفقة بين النظام الحالى، وبين الإخوان الراحلين، ثم نفى للصفقة وبعدها الانشغال بالحديث عن الاستعدادات لفض الاعتصام بالقوة، ثم العودة عن استخدام القوة. وما يتبع ذلك من البحث عن مغزى الحملة سابقة التجهيز التى تسير متسارعة ضد الدكتور محمد البرادعى من جانب أناس قريبين من السلطة، وهو ما يجعل الحملة كريهة الرائحة.

أما المشهد الثانى والذى يختفى وراء صخب المشهد الأول ولا يكاد ينشغل به أحد، هو ذلك الحراك الاجتماعى الذى يحدث على الأرض ببطء، ويتمثل فى مجموعة من الاحتجاجات الاجتماعية والعمالية فى عدد من مواقع الإنتاج داخل القطاعين العام والخاص. تلك الاحتجاجات التى لم تعد تحتمل انتظار ختام المشهد الأول. ذلك الحراك الذى بدأ فى التشكل فى مجموعات منتظمة نجحت فى حمل مطالب موحدة. ويكاد يكون المطلب الأكثر إلحاحا لتلك المجموعات الآن هو انتزاع حق التنظيم النقابى المستقل من خلال إصدار قانون الحريات النقابية. وهو المطلب الذى توحدت ضده طبقة رجال الأعمال عن بكرة أبيها.

●●●

والمدهش فى الأمر أنه بينما لم تتوان الطبقة الرأسمالية المهيمنة حاليا عن بذل كل جهدها (بمباركة من اتحاد العمال الحكومى) لوقف أى محاولات من الطبقة العاملة لتشكيل تنظيماتها المستقلة. حتى لو وصل بهم الأمر لحد فصل المئات من العمال لديهم لمجرد تمسكهم بحق العمل النقابى داخل وحدات العمل.

وبينما هم يناهضون حق القوى الاجتماعية الأخرى فى تشكيل تنظيماتها التى تدافع عن مصالحها، وهو ما تقضى به قوانين النظام الرأسمالى الذين يسبحون بنعمته، نجدهم يلحون على الحكومة أن تستجيب لمطلبهم بتحقيق مزيد من الحرية والاستقلالية فى تشكيل تنظيماتهم التى تعبر عن مصالحهم الاقتصادية مثل اتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية.

وما أكثرها تلك الاجتماعات التى نظمها كل من الاتحادين خلال الأيام الماضية مع وزيرى الصناعة والاستثمار. بل إن أحد الاجتماعات حضره 10 وزراء مرة واحدة. وكان من أهم المطالب التى أصر عليها رجال الأعمال تعديل القوانين المنظمة للاتحادين، بحيث يتم اختيار رؤساء كل اتحاد، ومجالس إداراتهما بالانتخاب. مع التأكيد على خلع يد الحكومة عن التدخل فى تعيين الأعضاء. وهو ما يضمن لأعضاء الاتحاد مساحة أكبر من الحرية، وبالتالى قدرة أعلى على التأثير فى القرار الاقتصادى، دون خشية من تدخلات الحكومة فى الشأن الداخلى للاتحاد.

وبينما لا يخجل رجال الأعمال فى ترديد مطالبهم الفئوية، والتأكيد على الوزراء لسرعة تحقيقها بدءا من زيادة الدعم الذى يتحصلون عليه من صندوق دعم الصادرات، وإلى اصدار قرارات بحظر استيراد بعض السلع الرخيصة من الخارج التى تنافس منتجهم المحلى حتى لو تحمل المستهلك ثمنا أعلى. بل إن بعض المصدرين مازال يلح على وقف كل الإجراءات الحكومية لدعم الجنيه بحيث لا يتم مساندته حتى ينخفض سعره مقابل الدولار، وهو ما يزيد من القدرة التنافسية لقطاع التصدير.

ومن ضمن المطالب الفئوية أيضا مطالبة بعض الشركات بتأجيل تطبيق رفع أسعار الكهرباء والمياه والطاقة على المصانع. ولم يتورع أحد أصحاب مصانع الأسمدة، والذى يصدر كل منتجه للخارج، عن رفض الاستجابة إلى رفع أسعار الطاقة المدعمة التى ظل يحصل عليها لسنوات طويلة لدرجة أن هذا الفارق ما بين السعر المدعم الذى يحصل عليه والسعر بعد رفعه والذى تتحمله الحكومة يصل إلى 200 مليون دولار فى السنة.

●●●

ومطالب رجال الأعمال الفئوية لا تقتصر فقط على المطالبة بمزيد من الحقوق، ولكن أيضا بوقف أى مساس بحق من الحقوق التى اكتسبوها من قبل. بل ووصل الأمر إلى حد ترهيب وزير التموين اللواء محمد أبوشادى عندما تجرأ وفكر فى إمكانية عودة العمل بالتسعيرة الجبرية، أو حتى بوضع نسب معينة للربح فى بيع السلع بشكل مؤقت لضبط السوق. فما كان من رجال الأعمال إلا أن شنوا حملة شعواء على الوزير مما دفعه إلى نفى الفكرة من أساسها. مع أن الأمر أصبح يستوجب مثل هذه الأفكار، خاصة بعد أن لجأت شركات الأسمنت والحديد إلى تحميل المستهلك ثمن القرار الحكومى برفع أسعار الطاقة على المصانع. فبدلا من أن يقلل أصحاب الشركات من أرباحهم قرروا أن يرفعوا أسعار البيع بدون حسيب ولا رقيب حكومى.

وبينما يرفع رجال الأعمال لواء المطالب الفئوية عالية، نجدهم لا يتورعون عن الضغط على الحكومة لوقف كل المطالب الفئوية للقوى الاجتماعية الأخرى. وقد استجاب وزير الصناعة منير فخرى عبدالنور بالفعل فى لقائه الأخير باتحاد الغرف التجارية لهذا المطلب. وأعلن أنه بصدد الوصول إلى صيغة لوقف الإضرابات الفئوية لمدة عام حتى يمكن أن يعود الإنتاج إلى مساره.

ولا يكتفى رجال الأعمال بحد المطالبة بوقف الإضرابات الفئوية ولكنهم وضعوا فى دستورهم المقترح، الذى يعكفون الآن على تنقيحه لإعادة تقديمه للجنة الدستور، بندا لتفعيل قانون تجريم المظاهرات التى من شأنها تعطيل الانتاج. وبالطبع دستورهم المنقح لن ينص على أى بند يتعلق بتجريم رجل الأعمال الذى أغلق مصنعه مؤخرا لمدة شهر كامل تأديبا وتهذيبا للعمال الذين تجرأوا، ورفعوا بعض المطالب الاجتماعية. وأجبرهم على تقاضى مرتب نصف شهر فقط.

●●●

ويبدو أن الطبقة الرأسمالية فى مصر هى ليبرالية حتى النخاع عندما يتعلق الأمر بالحرية الاقتصادية المصونة من الدولة الحديدية، وبيروقراطيتها العتيدة، وأجهزتها الأمنية التى قد تتقاطع مصالحها معهم فى بعض الأحيان. ولكن عندما تكون ساحة الليبرالية هى الحرية السياسية بما تتيحه هذه الحرية من فتح المجال على مصراعيه أمام القوى الاجتماعية الأخرى الفاعلة لكى تمتلك حقها فى التعبير السياسى المستقل، والانخراط فى اشكال تنظيمية تدافع عن مصالحها، فى هذه الحالة ترفع الطبقة الرأسمالية شعارها «أنا وأخويا على ابن عمى. وأنا وابن عمى على الغريب». وما الغريب إلا الطبقة الشقيانة.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات