نعلم جميعا أن للرئيس عبدالفتاح السيسى رصيدا كبيرا لدى الغالبية العظمى من الشعب منذ الموجة الثورية التى أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين يوم 30 يونيو 2013. ونعلم أيضا أن آلة التخويف التى يديرها إعلام الموالاة ناجحة حتى الآن فى الإبقاء على التفاف الأغلبية حول الرئيس رغم الكثير من المشكلات والأزمات التى تعيشها البلاد.
غير أن الوقائع القريبة تقول إن الحفاظ على الرصيد الشعبى ليس سهلا واستراتيجية الترهيب لا تنجح دائما، فعندما تصور الإخوان المسلمون أن لديهم رصيدا لدى فقراء المصريين الذين يشكلون الأغلبية، لمجرد أنه كان لهم تاريخ فى تقديم المساعدات لهم، دفعوا ثمن هذا التصور فادحا عندما أصبح الفقراء فى مقدمة من نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بإسقاطهم. وكذلك الوقائع تقول إن كل محاولات الإخوان وأنصارهم ــ هى تخويف الناس من عواقب الخروج عليهم ــ لم تنجح. بل إنه عندما قال مبارك «أنا أو الفوضى» لكى يحرم المصريين من حقهم فى الحرية والديمقراطية لم يخش المصريون النزول والإطاحة به.
إن ما يجرى الآن ربما يهدد رصيد النظام الحالى على المدى الطويل، فتجاهل اتساع دائرة المطالبين بإلغاء قانون التظاهر لتضم أصواتا عديدة من معسكر 30 يونيو، وتجاهل آلاف المحبوسين احتياطيا دون تسوية مواقفهم القانونية سواء بالبراءة أو الإدانة، وتجاهل الأصوات المطالبة بتعديل قانون الانتخابات، بل وتجاهل إجراء الانتخابات النيابية نفسها يهدد هذا الرصيد لدى طبقات فاعلة من المجتمع.
الأخطر من ذلك هو تجاهل معاناة البسطاء الذين لا يكل النظام ولا يمل من الحديث عن انحيازه لهم. فالرئيس تعهد بالانحياز للفقراء ثم تركهم فريسة لحريق الأسعار التى ارتفعت بشدة خلال الشهرين الماضيين دون رادع من دولة ولا نظام. والرئيس تعهد بتخفيف معاناة الشعب، لكنه تركه فريسة لأزمات متزايدة فى الكهرباء والنظافة والفساد المتجذر مكتفيا بالمقولة الشهيرة «إنه نتاج 30 سنة فساد».
التركيز على الحشد الإعلامى الموالى، ومحاصرة أى صوت إعلامى مناهض لن يمنع تآكل هذا الرصيد، والتركيز على المشروعات الكبرى ذات الصدى الإعلامى الأقوى والتى لم نعرف لها دراسات جدوى، لن يكفى لاستمرار الالتفاف الشعبى حول النظام.
فالمصريون يحتاجون الآن إلى «من يحنو عليهم» فلا يرفع فى وجه احتياجاتهم الملحة شعار «ليس لدينا ما نقدمه لكم» من أجل تخفيف المعاناة عنهم. فأزمة الكهرباء تبدو بلا حل فى الأفق القريب، والأسعار ارتفعت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكم الرئيس بصورة لم تحدث منذ ثورة 25 يناير وكأن رجال الأعمال يستردون ما تبرعوا به لصندوق «تحيا مصر» إن كانوا قد تبرعوا، والمدارس الخاصة ضربت بكل ما قاله المسئولون عن نسب زيادة المصروفات عرض الحائط وغير ذلك من صور المعاناة التى لا يبدو أن لها مكانا حقيقيا على أجندة الرئيس وحكومته.
هناك الكثير من الخيارات التى تحتاج إلى إرادة سياسية أكثر مما تحتاج إلى موارد مالية. فالسيطرة على الأسعار فى ظل الاحتكارات المعروفة تحتاج إرادة سياسية، وعلاج أزمة الكهرباء يحتاج إلى إرادة سياسية تضعها على رأس الأولويات حتى لو كانت محطات الكهرباء قادرة على جذب الاهتمام الإعلامى والشعبى الذى تجذبه مشروعات القناة الجديدة وتنمية الساحل الشمالى والمليون فدان.