ترامب والقدس وصفقة القرن - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 20 ديسمبر 2024 7:12 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ترامب والقدس وصفقة القرن

نشر فى : الإثنين 11 ديسمبر 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 11 ديسمبر 2017 - 10:45 م
أثار قرار الرئيس الرئيس الأمريكى دولاند ترامب بالاعتراف بمدينة القدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها الكثير من ردود الفعل الغاضبة، فضلا عن العديد من الأسئلة حول مصير عملية السلام وصفقة القرن التى كان يتم الترويج لها. ولا يختلف اثنان أن هذا القرار الأمريكى قد أصاب العديد من المتابعين للشأن الفلسطينى من العرب والأجانب، فضلا عن الساعين بجد وصدق نحو البحث عن حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية بالحيرة والإحباط فى تفسير أسباب وتوقيت هذا القرار، وما إذا كان مقصودا فى حد ذاته بصرف النظر عن نتائجه، أم أنه يأتى فى إطار خطة كاملة متكاملة لم تعرف بعد كل تفاصيلها، وما هذا القرار إلا مقدمة لما هو آت. ومن أجل محاولة الإجابة على بعض من هذه الاستفسارات ومحاولة استشراف ملامح المستقبل الذى يعد للمنطقة وفى القلب منها عملية السلام والوضع فى القدس، يجب علينا أولا أن نعود قليلا إلى الوراء، إلى أيام الحملة الانتخابية، لنفهم ما يحدث حاليا واستشراف ما قد يحدث فى الأيام القادمة.

نتذكر جميعا الشعار الانتخابى الذى رفعه المرشح الجمهورى دونالد ترامب إبان حملته الرئاسية، ألا وهو «أمريكا أولا»، وهو الشعار الذى لقى صدى واسعا لدى العديد من القطاعات والشرائح داخل المجتمع الأمريكى، وبعد أن نجح ترامب فى تصوير المصاعب والمشكلات التى يعانون منها بأنها نتيجة للسياسات والمعاهدات التى التزمت بها الولايات المتحدة الأمريكية طيلة العقود الماضية. وكان من أبرز هذه السياسات والمعاهدات التى نالت هجوما واسعا من دونالد ترامب، التزام واشنطن بتحمل عبء الدفاع عن الدول الأوروبية الحليفة فى إطار حلف الناتو، مرورا بإقامة علاقات اقتصادية وتجارية تقوم على أسس ومبادئ التبادل التجارى الحر مع جيرانها فى المكسيك وكندا فيما عرف باتفاقية النافتا، فضلا عن الشروع فى عقد الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الأخرى مثل اتفاقية باريس لتغير المناخ وغيرها بهدف حماية البيئة على سبيل المثال لا الحصر. وقد تعهد المرشح الرئاسى ترامب بإصلاح هذا «الاعوجاج» فى السياسة الأمريكية عن طريق وضع مصالح الشعب الأمريكى أولا وقبل مصالح دعاة العولمة واتفاقيات التجارة الحرة التى حملها مسئولية ما أصاب الصناعة الأمريكية من تدهور وإفلاس. وقد لقيت دعوة ترامب هذا ترحيبا شديدا من قبل جميع الشرائح والفئات التى تضررت من السياسات السابقة، وشكلوا القاعدة الانتخابية التى حملته إلى سدة الحكم فى البيت الأبيض. إذن ترامب المليونير الجمهورى، صاحب العقارات الفخمة التى تقدر بملايين الدولارات، والذى لم يكشف عن سجله الضريبى حتى الآن، أدرك بعقلية رجل الأعمال الناجح ــ كما يصف نفسه ــ بأن الهجوم على مبادئ التجارة الحرة واستثمار معاناة بعض قطاعات الشعب الأمريكى من جرائها، تمثل صفقة ناجحة تحمله إلى البيت الأبيض ويمكن أيضا أن تزيد من ثروته العقارية.

يأتى فى إطار الصفقات أيضا، تأييد إسرائيل بشكل شبه مطلق، وإذا كان المرشحون والرؤساء الأمريكيون السابقون كانوا يستهدفون بهذه السياسة كسب دعم وأصوات الجالية اليهودية، فإن ترامب اختلف عنهم بسعيه مستغلا هذا الموضوع لكسب دعم الطائفة المسيحية الأنجيليكية، وهى من أقوى وأهم الطوائف المسيحية فى الولايات المتحدة. وكان هدفه من اختيار حاكم ولاية إنديانا الجمهورى مايك بنس الذى ينتمى لهذه الطائفة كنائب له، هو ضمان دعم وأصوات هذه الطائفة. وقد كانت تلك الصفقة أيضا صفقة رابحة حملته إلى البيت الأبيض وما كان يستطيع أن يصل إليه دون دعم هذه الطائفة وتأييدها له. وما يهمنا فى هذا الأمر ما يوليه أبناء هذه الطائفة من إيمان لا يتزعزع بأن القدس تمثل فعلا عاصمة الدولة اليهودية، وأن على كل شخص أن يسعى لتكريس هذا الأمر. ومن هنا كان حرص الرئيس ترامب على وقوف مايك بنس خلفه أثناء قراءته لقراره الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، للتأكيد لأبناء هذه الطائفة على التزامه بتنفيذ وعوده الانتخابية على عكس كل من سبقوه، والحفاظ على قاعدته الانتخابية وضمان استمرار تأييدهم له.
إذن حرص الرئيس ترامب على نقل السفارة والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، لا يعود فقط لتأثير اللوبى اليهودى على الرئيس الحالى وإدارته، أو إلى كون زوج ابنته جاريد كوشنر ينتمى للطائفة اليهودية. خاصة وأن ترامب قد عهد إليه مهمة بحث عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيلين ووضع مقترحات وحلول جديدة، ضاربا عرض الحائط بكل الانتقادات التى قيلت بحق زوج ابنته من افتقاده للخبرة والدراية اللازمة لمعالجة أحد أعقد المشكلات الدولية وأكثرها حساسية. ولكن ترامب رجل إبرام الصفقات الناجحة ــ كما يحلو له أن يصف نفسه ــ لم ير فى القضية الفلسطينية سوى «صفقة أخرى» مثلها مثل أى صفقة، يجب أن يتم النظر إليها من زاوية ما تستطيع أن تحققه من ربح أو خسارة له. وهو (أى ترامب) استطاع عقد صفقة ناجحة مع دول الخليج العربية بمئات الملايين من الدولارات أثناء القمة العربية الإسلامية الأمريكية السابقة فى الرياض، فلماذا تكون صفقة الاعتراف بالقدس جد مختلفة، وهى الصفقة التى تضمن له تأييد قطاع مهم ومؤثر داخل المجتمع الأمريكى فى مواجهة خصومه السياسيين وما يوجه ضده من انتقادات حول علاقته مع روسيا. 

هل معنى ما تقدم أن ترامب قد ضحى بصفقة القرن فى المستقبل من أجل تحقيق صفقة ومكسب آنى كما ذكرنا، التقدير أن ترامب يعتقد أنه بما استطاع تحقيقه من نجاح حتى الآن ــ من وجهة نظره ــ ممثلا فى نجاحه غير المتوقع فى الانتخابات الرئاسية، ثم صفقة الخليج التى فاقت كل التوقعات، يعتقد أن لديه القدرة هو وصهره على إنجاز صفقة القرن بين العرب والإسرائيليين ولكن وفقا لشروطه هو ورؤيته. وهى الشروط والرؤية التى تنتمى تحديدا لطائفتين معينتين (اليهودية والإنجليكية)، غير عابئ بأى اعتبارات أو مقاييس أخرى، طالما لا يدفع ثمنا لما يتخذه من قرارات وإجراءات.

 

التعليقات