سلام على عملية السلام! - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الجمعة 20 ديسمبر 2024 7:04 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلام على عملية السلام!

نشر فى : الإثنين 11 ديسمبر 2017 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 11 ديسمبر 2017 - 10:45 م
إن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس يأتى بناء على قانون أصدره الكونجرس الأمريكى عام ١٩٩٥، ولم يفعل هذا القرار أبدا من طرف الرؤساء الأمريكيين السابقين. قرار الرئيس الأمريكى يعكس عناصر ثلاث: 

أولا: إعطاء أولوية مطلقة للاعتبارات السياسية الداخلية ومنها الاعتبارات العقائدية على حساب السياسة الخارجية الأمريكية التى يفترض أن تبقى على احترام القرارات الدولية التى ساهمت فى صياغتها بشأن القدس، وأيضا على مبادئ عملية السلام والحفاظ على الدور الأمريكى فى هذا المجال. قسم واسع من القاعدة الشعبية للرئيس ترامب تنتمى إلى ما يعرف بـ«الصهيونية المسيحية» أو الاتجاهات الدينية الأصولية التى كما جاء على لسان الرئيس الأمريكى نفسه، تعتبر أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو الاعتراف بحقيقة قائمة.
ثانيا: إن الموقف الأمريكى يعكس قراءة استراتيجية واضحة للرئيس ترامب مفادها أنه ليس من الضرورى أن تؤخذ المواقف العربية بعين الاعتبار، فهى قد تعارض فى البداية وبعد ذلك سترضى بالأمر الواقع الجديد الذى شكله هذا الاعتراف. هذه النظرة مبنية بالطبع على سياق تاريخى تراكمى حيث كانت المواقف العربية تعارض ما يصدر من مواقف أمريكية وغيرها لتقبل بذلك بعد وقت قصير من الزمن.
ثالثا: إن الرئيس الأمريكى، من خلال هذا الموقف الصادم الذى اتخذه، يثبت أنه لا يدرك حقائق وخصوصيات الوضع فى الشرق الأوسط، وموقع القدس فى العقل والوجدان العربى والإسلامى وأنه إذا كان صحيحا الحديث عن عدم معارضة فعلية بل فقط شكلية لمواقف فى مجالات أخرى فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى، فإن للقدس موقعا خاصا ورمزية خاصة لا يمكن لأحد أن يتنازل عنهما دون أن يعرض نفسه لخسارة الكثير إن لم يكن خسارة كل شىء، سواء كان فى السلطة أو خارجها فى العالم العربى.

أعتقد أن هذا الموقف الأمريكى شكل ضربة قاضية لعملية السلام، وتحديدا جاء عشية ما اتفق على تسميته بمبادرة أمريكية لإعادة إحياء عملية السلام، ولو على قواعد مختلفة، ولكنه شكل ضربة فى القلب وفى العمق لهذه العملية ومن الصعب جدا إعادة إحيائها بعد أن اتخذ الرئيس الأمريكى هذا الموقف الصادم والذى يكرس الموقف الإسرائيلى فى اعتبار القدس خارج أى إطار تفاوضى. 

***

يأتى ذلك أيضا فى ظل تصاعد الصدام بين الحلف الأمريكى العربى من جهة وبين إيران من جهة أخرى، وهو ما يشكل هدية ثمينة جدا للطرف الإيرانى وحلفائه، إذ صارت القدس أولوية الأولويات على الصعيدين العربى والإسلامى. وأيا كانت المواقف التى ستتخذ، وقد تبقى مواقف رمزية أو كلامية فقط هنا وهناك كما اعتدنا فى الماضى، لكن لا يمكن تجنب مواجهة هذه المشكلة أو القبول بإطلاق عملية السلام التى أسقطها الرئيس الأمريكى بالضربة القاضية عبر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكأن شيئا لم يكن.

إن هذا الموقف الأمريكى يعزز السياسة الإسرائيلية القائمة على تديين الصراع أو طرح الصراع ضمن إطار دينى، وهو ما يعنى أنه لا يمكن أن تكون هنالك مفاوضات جدية حول القضايا الأساسية فى هذا الصراع وأهمها دون شك قضية القدس.

بالطبع، عقدت وستعقد اجتماعات فى صيغ مختلفة عربية وإسلامية، ستدين وستطالب وستدعو.. إلخ، إلى تغيير هذا الموقف الأمريكى والتراجع عنه، ولكن، كما رأينا فى الماضى، لن تتبلور فى سياسات عملية ضاغطة على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها. الأمر الذى يعنى أننا دخلنا فى حالة من التوتر قد يكون من نوع التوتر الممسوك، لكن، عدنا فى نهاية الأمر إلى المربع الأول فى إطار عملية السلام أو إلى مرحلة ما قبل انطلاق عملية السلام. وللتذكير، فإن عملية السلام التى يفترض أنها انطلقت فى مدريد لا تزال مجمدة ولم يحصل فيها أى تقدم فعلى باتجاه التسوية الشاملة للصراع العربى الإسرائيلى.

سيؤدى ما حدث، دون شك، إلى إطلاق العنان لموجة راديكالية كبيرة على المستويين العربى والإسلامى، وقد تأخذ إحدى أبعادها الأساسية بعدا دينيا أصوليا كرد فعل على السياسة الأمريكية التى تعزز وتدعم موقف الأصولية الدينية الإسرائيلية، التى كانت دائما سياسة إسرائيل فى السنوات الأخيرة فى ما يتعلق بعملية السلام. 

إن العودة إلى المربع الأول ستؤدى أيضا إلى أن تعود القضية الفلسطينية كليا ورقة فى الصراعات القائمة فى المنطقة وحول المنطقة. ولكن لا يمكن إنهاء أى قضية وطنية من خلال تهميشها على الصعيد السياسى، إنما ستعيد طرح ذاتها بذاتها على أولويات المنطقة، ولكن من خلال خلق مزيد من التوترات والاضطرابات، فى وقت تمنى الكثيرون أن تأتى إدارة ترامب ببداية لحراك نحو تسوية المسألة الفلسطينية، على الرغم من أن رأينا أن الإدارة الأمريكية فى ما كانت ستفعله وفى ما زالت تتطلع لأن تفعله، لن تساهم فى إحداث أى تقدم بسيط نحو تسوية شاملة وعادلة ودائمة للقضية الفلسطينية. 

****

هل سنشهد انتفاضة فلسطينية ثالثة ورد فعل إسرائيليا عنيفا يؤدى إلى مواجهات دموية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.. انتفاضة تفرض ذاتها على الأجندة الإقليمية مع محاولة هذا الطرف أو ذاك تسجيل نقطة فى ملعب الطرف الآخر فى المواجهة الإقليمية القائمة وحروبها الباردة والساخنة؟

نحن اليوم على مفترق طرق. فهل ستؤدى هذه الصدمة الأمريكية إلى حالة وعى عربى تستدعى وضع جميع الخلافات ــ على الرغم من أهميتها ــ جانبا والبحث فى بلورة استراتيجية عملية لإعادة فرض القضية الفلسطينية على جدول الأولويات الدولية فى منطقة الشرق الأوسط. إن تحقيق ذلك يتطلب شروطا أهمها مواقف عربية تحمل مصداقية. مواقف تربط بين توظيف جميع الإمكانات العربية من جهة، وبين سياسة عربية مشتركة مدعومة من العالم الإسلامى ومن قوى دولية مختلفة من جهة أخرى. هل نحن أمام هذه الصدمة التى سيشكل جزء منها شأنا إيجابيا لإطلاق مبادرة عملية من هذا النوع، أم أن المواقف العربية والإسلامية ستبقى فى أطر المناشدة والمطالبة والدعوة والإدانة فى انتظار إحداث مزيد من التوتر فى شرق أوسط يعيش حالة من الفوضى والاضطراب والحروب المختلفة؟!

 

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات