«داعش شرعنة التوحش» عنوان كتاب صدر مؤخرا عن «مركز دراسات الوحدة العربية» للباحثة والكاتبة المغربية وفاء صندى. ويمثل الكتاب بحثا ميدانيا متسع الأرجاء، فسيح الرؤية، متشعب التفاصيل. وتشير صفحاته التى تجاوزت أربعمائة وخمسين صفحة إلى الفرق بين الباحث الأكاديمى «القح» والباحث الممارس للعمل الصحفى مثل مؤلفة الكتاب، حيث قدمت إطلالة متحررة من القوالب الجامدة، ولغة بسيطة عميقة لا تعرف خشبية لغة الباحثين الذين لم تخض أقلامهم فى مقالات الصحف، والتحقيقات الاستقصائية، والتجارب الروائية. من هنا فإن الكتاب رغم ضخامته ــ الظاهرية ــ سلس، غزير بالمعلومات، يسهل التنقل بين صفحاته دون عناء، أو ارتطام بتركيبات لغوية معقدة.
تناول الكتاب موضوعات شتى مثل نشأة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، المعروف باسم داعش، استنادا إلى المفاهيم الأساسية التى ارتكزت عليها الحركات والتنظيمات المتطرفة، التى تتحفظ الكاتبة على وصفها بالجهادية، منذ أطروحات سيد قطب، وإلى الوقت الحاضر، وطرحت تساؤلات مهمة عن تجنيد أعضاء تنظيم داعش، أكثر التنظيمات وحشية، ومنهم المقاتلون الأجانب، والنساء، والأطفال، وحاولت تقديم تفسير للسبب الذى يدفع الأجنبى، الذى عاش فى مجتمعات غربية، إلى الالتحاق بتنظيمات تمارس القتل الوحشى المناهض لكل معانى الإنسانية؟ هل لأن حكومات هذه الدول أرادت بسفرهم إلى أراضى «داعش» فى العراق وسوريا التخلص منهم، أو تحقيق أهداف من ورائهم، وإذا كان ذلك دافع الحكومات، فما هى الدوافع التى تكمن وراء قرار بعض الشباب الالتحاق بتنظيم داعش؟ انتقدت الكاتبة التفسيرات الجاهزة التى تتحدث عن الخلفية الاجتماعية المهمشة، وضعف التعليم، وتراجع الفرص الاقتصادية وغيرها مما يستعين به الباحثون بشكل نمطى لتفسير لجوء بعض الشباب إلى التطرف، وحاولت أن تقدم بعض التفسيرات الأخرى، ولاسيما بعد أن وجدت من بحث الخلفيات الاجتماعية للشباب الأوروبى الذى التحق بتنظيم داعش أنهم من عائلات موسرة، ولديهم خلفية تعليمية جيدة، وهو ما يطرح تساؤلا حول إمكانية أن يكون هناك «بروفيل» للشخص المتطرف؟ أجابت الكاتبة بالنفى.
ولم تكتف «وفاء صندى» بنقد الصورة النمطية المتداولة عن أسباب التطرف، بل أيضا انتقدت صورا نمطية أخرى تتعلق بالنساء، اللاتى انشغلت بهن فى كتابها، ربما لأن لها خلفية بحثية فى مجال «الجندر»، حيث رأت من خلال تحليل استقصائى أن المرأة لم تكن فقط تلعب دورا جنسيا فى التنظيم فيما عُرف أو تداول باسم «جهاد النكاح» بل كانت لها أدوار قتالية، ولوجستية مهمة، كما تناولت تجنيد واستخدام الأطفال أشبال الخلافة، وهو أمر تحرص عليه مختلف التنظيمات الإرهابية، مثل بوكو حرام وغيرها، وهناك تقارير دولية ترصد هذه الظاهرة.
ولم يكتفِ الكتاب بتناول الإرهاب، وتحليل أبعاده، ورصد آليات التجنيد فى التنظيمات التى تحمل لواءه مثل داعش، لكنه امتد إلى تقديم استراتيجية لمواجهة التطرف، تقوم على عدد من المنطلقات الأساسية مثل تفكيك خطابات التطرف، ونقد خطاب الخلافة، وتكوين الخطباء والأئمة، واللجوء إلى الفن، والاستعانة بالمرأة، وغيرها مما اعتبرته الكاتبة «استراتيجية ناعمة» لمواجهة التطرف، خلافا للاستراتيجية «الخشنة» التى أفردت لها جانبا من الحديث، وتناولت فيها استخدام القوة العسكرية فى تصفية الإرهاب.
وتطلق «وفاء صندى» فى ختام كتابها الممتع صيحتها التحذيرية «الإرهاب لم ينته بعد!»، فى إشارة إلى أن تنظيم «داعش» بعد أن مُنى بخسائر عسكرية ساحقة هناك معطيات كثيرة قد تجعله يعود، تماما مثلما كانت هناك أسباب أفرزت وجوده.