ماذا الذى نفعله عقب كل حادث قطار مأساوى يروح ضحيته العشرات أو المئات؟!
ينتقل المحافظ أو الوزير وأحيانا رئيس الوزراء لمكان الحادث، بصحبة مدير الأمن، وكبار المسئولين فى المنطقة المنكوبة وأحيانا ينضم إليهم وزير الصحة أو التضامن الاجتماعى. نسمع تصريحات منسوخة من حالات الطوارئ فى المستشفيات، ثم صرف تعويضات للمصابين والضحايا، ثم يأمر النائب العام بفتح تحقيقات عاجلة فى الحادث والتحفظ على الصندوق الأسود للقطار، إضافة بالطبع للقبض على بعض المتهمين من أول عامل التحويلة «المحولجى» إلى سائق القطار. وبعدها يعلن مجلس النواب أنه سوف يستدعى وزير النقل ورئيس هيئة السكة الحديد لاستجواب عاجل مع تهديد بسحب الثقة من الحكومة بأكملها.
فى بعض الحوادث التى يكون عدد الضحايا فيها مرتفعا يتم إقالة الوزير أو رئيس الهيئة، وفى مرات كثيرة يتم تحميل المسئولية للمحولجى، أو عامل المزلقان أو لقائد القطار، أو لراكب حاول إعداد كوب من الشاى فاشتعل الحريق فمات المئات، كما حدث فى قطار الصعيد فى فبراير 2002 عندما قتل ٣٥٠ راكبا حرقا أمام مدينة العياط فى أسوأ كارثة للقطارات.
هذا هو النمط المتبع فى معظم حوادث القطارات فى السنوات الأخيرة. وفى كل مرة نسمع كلاما قويا بأنه لن يفلت متهم من العقاب. لكن تمر الأيام، وتهدأ النفوس، و«تعود ريمة لعادتها القديمة»، إلى أن يقع حادث آخر، فنكرر نفس الوقائع بملل لا حدود له.
إذا السؤال هو: هل إقالة الوزير أو رئيس الهيئة أو حتى الحكومة بأكملها سيحل المشكلة؟!. الإجابة للأسف هى لا، لأن المشكلة أكبر من ذلك.
هل معنى كلامى ألا يتم معاقبة المسئولين إذا ثبت أنهم مقصرون؟!. الإجابة ايضا هى لا، بل ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة بحق أى مقصر ليكون عبرة لغيره.
ما أقصده هو أن المشكلة أكبر من إقالة مسئول. ولو كنا جادين، فالحل هو إصلاح «المنظومة الخربة» بالكامل، ومن دون ذلك، فنحن نكتفى بالمسكنات أو «الفولتارين».
وطبقا لما قاله الدكتور حسن مهدى أستاذ هندسة النقل والمرور بهندسة عين شمس، خلال حديثه لقناة «الغد» مساء الجمعة مع الزميل الإعلامى محمد المغربى، فهناك ٩٣٦ رحلة قطارات يوميا تنقل ١٫٤ مليون راكب، وفى الهيئة ٨٦ ألف موظف ومهندس وسائق، لا يعمل منهم إلا ٥٤ ألفا.
د. مهدى اقترح تقليل رحلات السكة الحديد حتى يتم تطويرها، مع زيادة دور القطاع الخاص فى استثمارات السكة الحديد، وتحديدا فى عملية نقل البضائع، كى يتم استغلال عوائدها فى تطوير قطاع نقل الركاب، علما بأن ميزانية الهيئة تزيد على ١٩ مليار جنيه سنويا، منها 3.1 مليار للاجور، فى حين أن عائد بيع التذاكر لا يزيد على ٢٣٥ مليون جنيه.
وعلى ذمة محمد بدوى دسوقى، عضو لجنة النقل بالبرلمان، فإن الهيئة كانت تحقق أرباحا حتى عام 1998، لكنها تحولت للخسارة التى وصلت إلى 50 مليار جنيه، والمنتظر ان تخسر 5 مليارات جنيه فى الموازنة الحالية.
بالطبع هى هيئة تقدم خدمة مدعمة للجمهور، لكن يفترض أن يتم ذلك بأفضل إدارة اقتصادية ممكنة.
تقول الحكومة دائما إنها تحتاج لموارد ضخمة لتطوير السكة الحديد، تصل إلى نحو ٤٥ مليار جنيه. لكنها فى المقابل لا تخبر المواطنين بحقيقة الأوضاع المهترئة داخل الهيئة، ليس فقط بسبب نقص الموارد، ولكن أيضا بسبب سوء الإدارة وانعدام الكفاءة والمحسوبية والفساد.
لا أقصد مسئولى الهيئة الحاليين، فهذه الأوضاع هى حصيلة تراكمات سنوات طويلة، وهى غير قاصرة على الهيئة فقط، ولكن على قطاعات كثيرة خصوصا فى الهيئات الاقتصادية. معظم الموارد تذهب لموظفين بعضهم غير منتج بالمرة، وبالتالى فإن «دافع الضرائب المسكين» يقوم أحيانا بدعم هؤلاء الموظفين الكسالى، أو المحظوظين الذين يعملون فى مثل الهيئات.
لن يمانع المواطنون ولم يمانعوا من رفع أسعار تذاكر السكة الحديد، لكن شرط أن يضمنوا أن الإدارة على أعلى مستوى من الكفاءة وأن المناصب العليا يتولاها أهل الخبرة الأكفاء وليس قريب الوزير أو المدير.
حينما تنصلح هذه المنظومة، فإن الكوارث سوف تتوقف فى السكة الحديد وسائر المجتمع سواء كانت حوادث قدرية أو لاخطاء بشرية أو بفعل انعدام كفاءة المنظومة بأكملها.