الاحتجاج احتجاجان - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 1:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاحتجاج احتجاجان

نشر فى : الثلاثاء 14 فبراير 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 فبراير 2012 - 8:00 ص

الديمقراطية لها آداب إن لم نعلمها ثم نلتزمها تتحول الديمقراطية إلى حالة من الاقتتال الدائم بين أفراد المجتمع وفئاته المختلفة وتكون الاستبداد بما يتضمنه من قمع أفضل من وجهة نظر بعض قطاعات المجتمع. لماذا؟

 

لأن الديمقراطية تفترض مساحة أكبر من الحقوق للأفراد ولكن مع غياب آداب الديمقراطية، يكون هناك تعسف فى استخدام الحق، والتعسف فى استخدام الحق هو الباب المنطقى للفوضى. والفوضى هى المدخل المنطقى لعودة الاستبداد مرة أخرى حيث يتحول الناس من المطالبة «بالأمن أولا» إلى المطالبة «بالأمن فقط.»

 

ومن هنا ننتقل من التعسف فى استخدام الحق المفضى إلى الفوضى، إلى التعسف فى استخدام السلطة المفضى إلى الاستبداد. لذا فلنحاول فى عام 2012 أن نتعلم ما تعلمه السابقون علينا فى مجتمعات أخرى من آداب الديمقراطية. وهذا ليس عيبا، فقد تعلم الأمريكان من الأوروبيين، وهو ما يشهد به ديفيد ثورو كواحد من أشهر من درسوا الاحتجاج السلمى، وتعلمت الحركات اليسارية فى أمريكا اللاتينية من كتابات روزا لوكسمبورج. ونحن لسنا أقل من الآخرين كى نتعلم ما نحتاج إليه. وعليه أقول، إن هناك نوعين من الاحتجاج. كل أشكال الاحتجاج السلمى مكفولة ويحترمها القانون وينبغى أن ينظمها. وكل أشكال الاحتجاج العنيف مرفوضة ويجرمها القانون. وأهم أشكال الاحتجاج السلمى أربعة: الاعتصام فى أماكن مفتوحة بما لا يعطل العمل أو يقطع الطرق وهناك ثانية الإضراب الجزئى أو الشامل عن العمل بما لا يترتب عليه تعريض حياة الآخرين للخطر، بما فى ذلك الإضراب عن الطعام، ويأتى التظاهر السلمى كبديل ثالث للتعبير عن مطالب أصحابه سلميا، وأخيرا العصيان المدنى الذى هو أقلهم فى المجهود البدنى المبذول ولكنه أخطرهم فى نتائجه لأنه يعنى ضمنا، إن كنا جادين فيه، رفض المنضمين للعصيان المدنى الاعتراف بشرعية الحكومة القائمة سواء لأنها مستبدة أو عميلة أو مستعمرة.

 

أما أشكال الاحتجاج غير السلمى ومن ثم غير القانونى فهى كثيرة ومتنوعة وقد تصل إلى الحرب الأهلية، وهى تبدأ من غلق الطرق والاختطاف والاغتيالات وحرق المنشآت والعنف الجماعى (سواء منخفض الحدة أو مرتفع الحدة) وصولا إلى القتل الجماعى أو الإبادة أو الحروب الأهلية. نجانا الله وبلادنا من هذه المخاطر.

 

أحسب أن شباب الثورة فى أيامها الأولى كانوا أكثر وعيا بمخاطر الانحراف عن آداب الاحتجاج السلمى ولم يكونوا يستخدمون العنف إلا كرد فعل فى مواجهة العنف المبالغ فيه من قبل الشرطة. وحتى أولئك الذين قاموا بحرق الأقسام ومبانى الحزب الوطنى، يمكن فهم تحركهم فى ضوء أنهم كانوا يعتدون على المنشآت التى ترمز للنظام الذى أمعن فى إذلالهم. ومع الأسف، استمر الأمر فى حرق منشآت أخرى، مثل المجمع العلمى، ليست ذات دلالة رمزية سياسيا إلا أنها كانت مركزا للهجوم على الشباب المتظاهر.

 

إذن، لا بد من قانون جديد للتعبير عن الحق فى التظاهر والإضراب والاعتصام حتى لا يختلط الحابل بالنابل. إن لمسة اليد المقصودة فى مباريات كرة القدم حين تكون فى منتصف الملعب تكون عقوبتها مختلفة عن عقوبتها فى المنطقة المحيطة بالمرمى. وبما أن قانون اللعبة يقول ذلك، وبما أن الوعى الشعبى يعرف ذلك، فإن العقوبة تكون متوقعة ومتفهمة.

 

لا بد من قوانين تسمح لنا بالتفرقة بين القانونى وغير القانونى، بين السلمى وغير السلمى. ولا بد من الوعى بكل ذلك أيضا.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات