فى بطء البطء - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الأحد 29 سبتمبر 2024 2:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى بطء البطء

نشر فى : الأربعاء 13 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 فبراير 2013 - 8:00 ص

بعد سنوات طويلة، حينما سينظر أساتذة العلوم السياسية لتاريخ ثورة يناير ٢٠١١، بالفحص و التحليل، سيجدون أن الدرس المستفاد من هذه الثورة و ما حدث فى أيامها الثمانية العشر، سيكون بالضرورة أن البطء فى اتخاذ القرارات أحيانا يكون جريمة كبرى لا يحمد عقباها، ولكن بشكل عام، سيكتشف أى باحث أن «البطء» مرض، لا تقارن آثاره، بآثار مرض التسرع فى اتخاذ القرارات،  وإذا عدنا للثورة المصرية، وفقا لشهادات أبطالها من الشباب، سنكتشف بسهولة أن ما تعرض له النظام السابق من أهوال كان بسبب بطء قرارات القيادات السياسية، بغض النظر أن ما حدث كان أفضل لمصر والمصريين، المهم أن الدرس المستفاد من هذه الأحداث برمتها (للمهتمين بالعلوم السياسية) أن البطء فى اتخاذ القرارات الواجبة من الممكن أن يعصف بأى نظام مهما كانت قوته و صلابته.

 

والبطء لا تظهر مخاطره إلا فى سياق مطالبات شعبية واضحة، تتطلب الاستجابة من القيادة السياسية، والتى فى الغالب تتباطأ فى تلبيتها، وعلى ما يبدو أن الرئيس السابق مبارك أسس لهذا المنهج ورسخه فى دهاليز وأروقة السياسة المصرية، بعد سنوات من قرارات صادمة مثل الكهرباء فى عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، الذى كان يستلذ بالقرارات المفاجئة التى يصدرها، فكان يعتمد على أسلوب الصدمات فى نهج إدارته لشئون البلاد، فلا يمكن الخصوم من الرد، وإذا تمكنوا فى بعض الحالات من البدء فى الرد، عاجلهم بقرار صادم جديد، يربك لهم المشهد، ويقعون فى حيرة الاختيار بين مواجهة اللاحق، أو مهاجمة السابق، وفى ظل انشغالهم بذلك يكون هناك المزيد من القرارات، التى تتسم بالشعبية، أو الغموض، فتسكن كل حركات المعارضة من حوله.

 

بطء مبارك أسقط نظامه بسهولة، أمام ثورة سلمية، ربما نجحت لصدق مطالب ثوارها وايمانهم بأن الصمت لم يعد ممكنا، وأن التغيير أصبح ضرورة، وللحق تعقيدات المشهد السياسى كانت تسمح بذلك، لذلك اعتقد أنه من الضرورى أن نتوقف الآن عند فلسفة البطء لدى النظام الحالى، أمام مطالبات شعبية، تبدو ممكنة، خاصة وأنها مستحقة ولا تنتقص من قدر احد، إلا إذا كان للنظام مخطط آخر بعيد عن مطالب الجماهير.

 

الأمور تبدو الآن عند النظام الحالى، أن الثبات هو الحل، وأن حدثت الاستجابة أو لاحت بوادرها فى الأفق سارع من حول النظام فى نفى فكرة الاستجابة، فالحزب الحاكم يؤكد أن التغيير الوزارى مستحيل الآن، وفى الصباح تكشف الرئاسة أن ليس لديها قرارات مسبقة بشأن التغيير الوزارى وما ستتفق عليه القوى الوطنية سيدعمه الرئيس، وحينما تشير قيادة من قيادات القوى الوطنية إلى أن لديه معلومات عن قرب التغيير الوزارى، تسارع الرئاسة من جديد فى نفى أنباء هذا التغيير، وهو ارتباك من الواضح أنه متعمد، ومن الواضح أيضا أنه ارتباك يرغب فى هز صورة اى حقيقة او معلومة، ربما ينتظر الشعب سماعها، وكل ذلك لا يعنى سوى أن من بيده اتخاذ القرار يتباطؤ فى البطء ذاته، على اعتبار ان الزمن يحل الأزمات، وهى النظرية التى لم تثبت صحتها منذ قيام الثورة، بل على العكس تماما، كانت المصيبة دائما أن هناك من اعتقد ذلك، والشهور الأربعة والعشرين الماضية خير دليل.

 

على أية حال،  لا يمكن لنا ان نفهم فكرة «البطء فى البطء»، إلا فى سياق أن الجماعة لديها ما تريد تنفيذه، وفقا لتوقيتات هى اختارتها، ولا ترغب فى تعديلها، مثلما فعلت فى الإعلان الدستورى، فأى كانت التكلفة، فهذا لا يعنيها، ربما لثقتها فى أن الحل فى الصندوق، أو أن رصيدها يسمح، أو أن الشعب يعشقهم فى الظلام من بين ظهرانينا، أما الأزمة الحقيقية أن بقية الأطراف لا تفهم ذلك، وليس لديها الرغبة فى فهمه.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات