مقترح إنشاء «مجلس السياسات الاقتصادية» - علي عبدالعزيز سليمان - بوابة الشروق
الإثنين 10 مارس 2025 3:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مقترح إنشاء «مجلس السياسات الاقتصادية»

نشر فى : السبت 14 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 14 يوليه 2012 - 8:00 ص

تشهد مصر تغيرا كبيرا فى هيكلها السياسى والاجتماعى مع ظهور قوى سياسية جديدة تعبر عن آراء وطموحات القاعدة العريضة من الجماهير. وتتصاعد طموحات الشارع المصرى من حيث الرغبة فى الحصول على حياة كريمة، وعمل منتج، ومسكن مناسب. وتأتى هذه المطالب فى ظل تفاقم الوضع الاقتصادى وتعاظم المخاطر التى تحيط بالوطن مع زيادة عجز الموازنة وانخفاض الإحتياطيات من النقد الأجنبى، وتراجع الوضع التنافسى للصادرات المصرية، وزيادة عبء الدين الداخلى والخارجى، وقصور موارد الضرائب.

 

وتفرض علينا كل هذه التحولات أن نضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية المناسبة.

 

●●●

 

وللأسف فقد تعرضت قواعد السياسة الاقتصادية فى الثلاثين عاما الأخيرة للكثير من التآكل إن لم نقل الهدم المتعمد. حيث رغبت الطغمة الحاكمة، وما أحاط بها من أصحاب المصالح، فى الانفراد بالسياسة الاقتصادية والمالية بعيدا عن المشورة الفنية ورأى المتخصصين، بل بعيدا عن الرقابة الشعبية كلية. وانعكس هذا فى هدم أو إضعاف المؤسسات الحكومية والمدنية الخاصة بالعمل الإقتصادى والتخطيطى. فتم إلغاء وزارة الاقتصاد، ثم نزع أسنان وزارة التخطيط بسحب إشرافها على بنك الاستثمار القومى، ونقله إلى وزارة المالية. وتبع ذلك الاستيلاء على أموال التأمينات، وكذلك تم تحويل جزء كبير من إيرادات البترول وتعاقداته بعيدا عن الرقابة الشعبية، بل تم فرض رسوم وضرائب مقنعة لحساب صناديق خاصة أو لصالح فئات بعينها دون سند من قانون أو تشريع، وتمت عملية الخصصة فى ظل مناخ مشبوه، ووزعت أراضى الدول على المحاسيب وأصحاب الحظوة..

 

كذلك تم إقصاء مجلس الشعب عن الرقابة الفعالة على أعمال الحكومة والقيام بمناقشة جدية للقوانين اقتصادية، وذلك عن طريق تدجين الجهاز المركزى للمحاسبات، وكذلك بإعطاء صلاحيات خاصة لرئيس الجمهورية بخصوص تعاقدات السلاح أو إبرام العقود اقتصادية أو تلقى منح أو معونات من بعض الدول والتصرف فيها. وأدت سيطرة الحزب الوطنى على مجلس الشعب من خلال انتخابات مزورة تخضع لسطوة المال أن انعدمت الرقابة على أعمال الحكومة وأيضا تراجع دور الدولة فى الرقابة على الأسواق والعمل الاقتصادى.

 

●●●

 

وبالمقابل نجد أن الدول الناهضة تسعى إلى تجميع الرأى الاقتصادى فى محافل استشارية مستقلة تدعم صانع القرار وتهديه إلى تحقيق الخطط والبرامج التى تسعى إلى تحقيق النمو الاقتصادى ورفاهية المواطن.

 

ولا يخلو تاريخ مصر الحديث من اللجوء إلى المجالس الاستشارية لوضع السياسات الاقتصادية الملائمة فى ظروف الأزمات أو استجابة لتحديات ومطالب جديدة. وكانت إحدى أولى قرارات ثورة 1952 إنشاء المجلس القومى للإنتاج (1953) الذى وضع خطة إنشاء عدد كبير من المشروعات الكبرى مثل مصنع الحديد والصلب فى حلوان، وشركة كيما فى أسوان، وركتا للورق بأبى قير.. وبعد ذلك تم إنشاء وزارة الصناعة عام 1957، والمجلس الأعلى للتخطيط ثم وزارة التخطيط، وهكذا.

 

ونحن نقترح إنشاء «مجلس للسياسات الاقتصادية» مع تحديد صلاحياته لتشمل:

 

ــ وضع تصور استراتيجى لمحاور نمو الاقتصاد المصرى فى المرحلة المقبلة. وينقسم أى تفكير مستقبلى إلى برنامج عاجل وقصير الأجل يتم فيه معالجة بعض القضايا الملحة مثل قضايا نقص العملة الأجنبية، عجز الموازنة الجارية، مكافحة الإحتكار، كبح التضخم وتوفير السلع، إعادة هيكلة الأجور والمرتبات، وزيادة سلامة الوضع المالى للبنوك.. وقضايا طويلة الأجل مثل خلق فرص العمل، زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وتسارع معدل النمو الاقتصادى، زيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى، خفض الاعتماد الغذائى على الخارج وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتى، تشجيع القطاع الخاص الصغير..

 

ويكاد هذا الملف أن يعدم جهة راعية مع تراجع دور وزارة التخطيط، وغياب النقاش الشعبى والبرلمانى المؤثر على السياسة العامة فى هذه المجالات.

 

ــ وضع استراتيجية جديدة لعلاقات مصر الاقتصادية الخارجية.

 

حيث من المتوقع أن تخضع علاقات مصر السياسية والاقتصادية للكثير من التطوير والتبديل مع زيادة الاهتمام بملف التعاون العربى والإقليمى، وزيادة التحالفات مع الدول ذات التوجهات الشعبية والديموقراطية، وكذلك الدول الاسلامية ذات الثقل الإقتصادى مثل تركيا وإيران وماليزيا. كذلك يلزم إعادة صياغة وتعظيم الاستفادة من الاتفاقيات والترتيبات القائمة مع الدول ذات الوزن الاقتصادى الكبير مثل الولايات المتحدة والإتحاد الأوربى والصين واليابان.

 

ومن ناحية أخرى يلزم إعادة صياغة دور مصر فى الاتحادات والمؤسسات المالية العالمية والتى كان لمصر فضل السبق فى إنشائها، وتتمتع بقوة تصويتية مناسبة فيها، ومنها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى (واشنطن)، الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى (الكويت)، والمصرف العربى للتنمية الإقتصادية فى أفريقيا (الخرطوم)، البنك الاسلامى للتنمية (جدة)... وكذلك مجموعة الخمسة عشر، ومجموعة الـ77 وغيرها من تنظيمات الدول النامية.

 

ولا ننسى فى هذا المجال علاقات مصر الأفريقية ومع دول وادى النيل التى تحتاج رعاية وكفاءة عالية.

 

وتتفرق مسئولية رعاية هذه الملفات فى البيروقراطية المصرية بين وزارة التعاون الدولى ووزارة الخارجية ووزارة المالية وأحيانا وزارة الصناعة والتجارة والتموين، وحتى وزارة الزراعة والرى.. ويلزم فى جميع الأحوال وضع سياسة واحدة تظلل الجميع.

 

ــ وضع برنامج استثمارى سريع بالتعاون مع الجهات المانحة الخارجية والمستثمرين الأجانب وبالتنسيق مع هيئة الإستثمار والمناطق الحرة وغيرها من الوزارت والهيئات المعنية، وقد يتضمن هذا البرنامج مشروعات كبرى فى مجال الطاقة والنقل والتنمية الزراعية والعمرانية، كذلك قد يتضمن مشروعات لإعادة تأهيل أو تشغيل مرافق عامة مثل السكك الحديدية، الربط الكهربى والغازى مع دول الجوار، ربط شبكة الطرق مع الدول العربية، النقل الجوى والبحرى والموانئ.

 

ــ إبداء الرأى فى التشريعات الاقتصادية القائمة والمرتقبة.

 

تشكيل المجلس: من المناسب أن يتسم المجلس الاقتصادى بالرشاقة والفعالية، وأن يعبر عن توجهات فكرية متعددة. وأن يكون له جهاز إدارى صغير وكفء. ويقترح أن يتكون المجلس من خمسة إلى سبعة مستشارين من ذوى الكفاءة والخبرة العملية. ويكون للمجلس مديرا تنفيذيا يقوم بإدارة جدول العمل وتنظيم اجتماعات المجلس والإشراف على سكرتاريته وتنفيذ أعماله وإصدار تقاريره. ومن المناسب أن يترأس المجلس شخصية اقتصادية مرموقة، ويكون له صلاحيات كبيرة تمكنه من التعامل مع الوزارات والهيئات بقدر من الندية. ولقد اقترح الدكتور «سلطان أبوعلى»، عندما شغل وظيفة وزير الإقتصاد فى منتصف الثمانينيات، اسم (المرحوم) «سعيد النجار» لمثل هذا المنصب. ولم تلقى تلك الشخصية الفذة قبولا لدى دوائر الحكم فى ذلك الوقت.

 

●●●

 

ويراعى توفر الخبرات المناسبة لدى المستشارين والموظفين المعينين فى المجلس بما يكفل تحقيق أهدافة وذلك فى مجالات الاقتصاد الكلى، السياسات المالية والنقدية، التخطيط الصناعى، تحليل الإستثمار ودراسات الجدوى، العلاقات الاقتصادية الدولية، بما فى ذلك خبرات فى التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية والعربية، وشركات المال والاستثمار العالمية، وجهات التحكيم الدولى.

 

وقد يستعين المجلس فى اداء عمله بمستشارين من الخارج، أو بهيئات بحثية أو تنفيذية قائمة، مثل معهد التخطيط القومى، مراكز البحوث، وأكاديمة البحث العلمى.

 

أما بخصوص تبعية المجلس، ومع الاتجاه إلى النظام البرلمانى فى الدستور تحت الإعداد، فمن المناسب ان يتبع المجلس رئيس مجلس الوزراء. وفى هذه الحالة يمكن أن يستعين المجلس بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار كسكرتارية فنية لأعماله.

علي عبدالعزيز سليمان عضو الجمعية التاريخية المصرية
التعليقات