لم يكن لدى الولايات المتحدة فى كثير من الأحيان فرصة لإعادة تشكيل علاقاتها كلية مع واحدة من الدول الرئيسية فى العالم. وعادة ما تتحرك العلاقات، للأفضل أو للأسوأ، بفعل التاريخ، وتدبير النخب الحاكمة، وتدافع عنها جماعات الضغط القوية. بل أنه يصعب تغيير حتى السياسات السيئة.
●●●
ومع ذلك، ليس لدى واشنطن الآن خيارا سوى إعادة بناء علاقتها مع مصر؛ الدولة العربية الأكثر سكانا وأهمية تاريخية، ومالكة قناة السويس والحليف الرئيس للولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاما. وهو خيار يمثل احتمالا مقلقا، بل مخيفا لوزارة الخارجية والبيت الأبيض فى عهد أوباما. إلا أنه يوفر أيضا فرصة لتصحيح بعض الأخطاء التى ارتكبتها أمريكا لعدة عقود فى تعاملها مع القادة العرب. ويبدأ الشكل الجديد للعلاقة هذا الاسبوع عندما تزور وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون القاهرة.
وكانت الحاجة إلى تجديد العلاقة واضحة منذ فترة، ولكنها صارت ضرورة فى الشهر الماضى عندما فاز محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين فى أول انتخابات رئاسة نزيهة فى مصر. وحتى ذلك الحين، وعلى الرغم من ثورة مصر الشعبية فى العام الماضى، كانت سياسة الولايات المتحدة تتركز على المؤسسة العسكرية وتولية قادتها أشباه الفراعنة. وكانت تشترى الولاء الاستراتيجى والسلام مع إسرائيل عاما إثر عام بمليار ونصف مليار دولار سنويا من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
وقد صار الأمر معقدا الآن. وسوف يتعين على المسئولين الأمريكيين التنقل بين مرسى والإخوان المسلمين بأجندتهم الديمقراطية اسميا والمعادية للغرب فى الأساس؛ والمؤسسة العسكرية، التى تبذل قصارى جهدها لتعطيل خلق مؤسسات ديمقراطية مع الحفاظ على ارتباطاتها الحيوية بوزارة الدفاع الأمريكية وإسرائيل؛ والقوى الديمقراطية العلمانية التى قادت الثورة فى العام الماضى، والقريبة من الغرب بشكل عام لكنها تتعرض للضغط من كل من الجنرالات ورجال الدين.
ومن الممكن أن يسفر السير الناجح على هذا الحبل المشدود عن الحفاظ على مصر كحليف أساسى للولايات المتحدة وجار مسالم لإسرائيل، مع تحويلها إلى ديموقراطية عملية ـ على نحو يحقق الاستقرار لهذين الدورين. وبخلاف ذلك، يمكن أن تتحول مصر إلى باكستان ثانية؛ بلدا ممزقة بين ساسة مدنيين غير أكفاء وفاسدين، وقادة عسكريين مخادعين.
●●●
وقد أسفرت الخطوتان الأوليان لإدارة أوباما فى هذه اللعبة البهلوانية عن تنفير وإبعاد جميع الأطراف. فأولا، تخلت فى مارس عن شروط الكونجرس بشأن المساعدات العسكرية لهذا العام التى تلزم الجنرالات باستكمال التحول الديمقراطى وهو ما شجع المجلس العسكرى بإلغاء البرلمان المنتخب واغتصاب سلطات الرئيس الجديد. فشعر دعاة الديمقراطية فى مصر بأنهم خدعوا.
ثم، فى الشهر الماضى ضغطت الادارة بشكل كبير على المجلس العسكرى الحاكم من أجل الاعتراف بفوز مرسى فى انتخابات الإعادة. وربما منع ضغط كلينتون ووزير الدفاع ليون بانيتا المجلس من تسليم الرئاسة لمرشحه المفضل، وهو رئيس وزراء سابق. لكن ذلك اثار غضب الجنرالات، والمسيحيين المصريين وبعض مؤيدى إسرائيل فى الولايات المتحدة، الذين يخشون الإسلاميين أكثر من النظام القديم.
●●●
فماذا نفعل الآن؟ من الواضح للغاية أن هناك جدلا داخل الإدارة حول أفضل السبل للتعامل مع مرسى، وكيفية استخدام الساعدات الأمريكية. ويبدو أن هناك أسلوبا حذرا تدريجيا، يمكن بموجبه حصول نظام مرسى على مساندة الولايات المتحدة للحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولى إلى جانب اتفاق ــ تأخر طويلا ــ لمبادلة الديون؛ بشرط أن يمضى فى تنفيذ تعهداته بالمحافظة على حقوق المرأة، والأقليات الدينية، واحترام المعايير الديمقراطية، والحفاظ على السلام مع إسرائيل. وفى زيارته للقاهرة يوم الأحد، أعلن وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية هذه الشروط إثر لقاء مع مرسى سلم له أثناءه رسالة من أوباما.
ولم يذكر بيرنز علانية المساعدات العسكرية، ولكن الادارة تفكر فى ذلك. وتجمع الآراء على أنه ينبغى استمرارها فى الوقت الحالى، ولكن بعض المسئولين يعتقدون أنه يتعين إعادة هيكلتها فى النهاية، وتخفيضها، وتركيزها على مهمات مثل مكافحة الارهاب وحماية الحدود، بدلا من شراء المعدات الأمريكية باهظة الثمن.
وهى ليست خطة سيئة ضمن هذا السياق، وسيكون التحدى المطروح هو تجنب المزالق الكلاسيكية للدبلوماسية الأمريكية فى الشرق الأوسط. وأحد هذه المزالق إغداق الكثير من الاهتمام والمجاملة على أولئك الذين تصادف وجودهم فى السلطة. وعلى الرغم من أن الجيش وجماعة الإخوان المسلمين يمتلكان أقوى نفوذ فى الوقت الراهن، إلا أن أيا منهما لا يمكن أن يكون شريكا قويا أو موثوق به على مر الزمن. فأصدقاء أمريكا الحقيقيون هم الديمقراطيون العلمانيون فى مصر والطبقة الوسطى الناشئة، والذين تم إزاحتهم جانبا ولكنهم أفضل أمل للبلاد على المدى البعيد.
●●●
ويتمثل الخطر الكبير الآخر فى إعادة سياسة الولايات المتحدة مرة أخرى إلى دروبها القديمة بسبب ضغوط مصرية أو محلية. فسوف يقاوم الجيش أى تغيير فى برنامج المساعدات، أو انتزاع قادة مدنيين مكانته لدى واشنطن. وسوف يطالب بعض أعضاء الكونجرس الإدارة بمنع المعونة عن حكومة إسلامية. ومن شأن، الرضوخ لتلك الضغوط أن يكونأسرع وسيلة لتدمير الفرصة السانحة للتغيير الدبلوماسى ــ وتحويل مصر إلى باكستان ثانية.
جماعة كتاب الواشنطون بوست كل الحقوق محفوظه النشر بإذن خاص .