هوس الصندوق وإعادة إنتاج خطاب مبارك - رباب المهدى - بوابة الشروق
الأربعاء 15 يناير 2025 11:37 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوس الصندوق وإعادة إنتاج خطاب مبارك

نشر فى : الخميس 13 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 13 ديسمبر 2012 - 1:45 م

فى تصنيف الأنظمة السياسية هناك ما يعرف باسم «السلطوية الانتخابية» بمعنى وجود نظام سياسى سلطوى ولكنه يستخدم الانتخابات بشكل دورى كجزء من أدوات تجميل صورته. كان هذا تصنيف نظام مبارك فى مصر وما زال تصنيف النظام الأردنى مثلاً. تذكرت هذا التعريف وأنا أتناقش مع أعضاء من جماعة مؤيدى الرئيس وأستمع لخطاباته المتتالية وتعريفه الضيق للديموقراطية. لم تكن هذه هى الجزئية الوحيدة التى شابهت فيها خطاب جماعة الرئيس مضمون خطاب مبارك ضد معارضيه ولكن التشابه امتد ليشمل التأكيد المستمر على فكرة الاستقرار فى مقابل الفوضى (التى يمثلها المعارضون) وفكرة المؤامرات (التى لم يكشف عنها إلى الآن) وكون المعارضين مدفوعين بأجندات أجنبية لزعزعة أمن الوطن والشرعية.

 

●●●

 

والحقيقة فإن الديمقراطية ليست فقط صندوق انتخابات ولكن هذا الصندوق هو وسيلة، مجرد أداة ضمن وسائل أخرى كثيرة لتحقيق الديمقراطية والإرادة الشعبية. فالمظاهرات كما الاعتصامات كما حرية التعبير كلها وسائل مثل الصندوق تستخدم فى الديمقراطيات لضمان أن يكون النظام السياسى فى خدمة المجتمع وليس العكس. فحينما تهدر حق التعبير والاعتصام وحينما تستخدم أفراد مؤيديك بديلاً عن مؤسسات الدولة فى حماية «القصر»، الذى لم يكن مهدداً بأى حال من الأحوال، أو حتى «كدروع بشرية»، ضد الهجوم المزعوم، وتصر فقط على أن الصندوق هو الحل، فأنت تستخدم أدوات الديمقراطية بشكل إنتقائى. الفرق بين الديمقراطية وديكتاتورية الأغلبية أن الأولى تحفظ حقوق المخالفين حتى لو كانوا أقلية وتضع ثوابت لا يمكن «الاستفتاء» حولها مثل عدم التمييز وحقوق الإنسان، أما الثانية فهى شريعة البقاء للأقوى فلو عندك أغلبية تفعل ما بدا لك أو لهذه الأغلبية. هذا لا ينفى أن المنطق العددى فى حسم التنافس السياسى عن طريق الصندوق آلية مهمة ويجب الاحتكام لها ولكن ليس فى كل موضع. فالاحتجاجات الاجتماعية لا يمكن حسمها عن طريق الصندوق فقط، لأن قبول المجموعات المختلفة بنتيجة الصندوق مرتبط بقناعتهم أن قواعد اللعبة وشروطها تمت بالتوافق بين جميع اللاعبين.

 

وحتى بالمنطق العددى الصرف فإن على الرئيس وجماعته مراجعة فكرة أنهم أغلبية مطلقة فى ما يسموه «الشارع». ببساطة لأن الرئيس حصل على ٢٥٪ من أصوات المصوتين (وليس مجموع الناخبين الذى يفوق ٥٠ مليون حصل الرئيس على حوالى ٥ ملايين منهم بما يوازى نسبة ١٠ ٪) فى الجولة الأولى، ثم و«بالعافية» ٥١٪ من الأصوات فى الجولة الثانية. فكان عليه أن يتعامل بمنطق الحكم الائتلافى وتوسيع قاعدة حكمه ومؤيديه وليس بمنطق الأغلبية المطلقة والاعتماد على جماعته وحزبه.

 

أما إعادة منطق مبارك فى الحكم والدفع بأن معارضيه تدفعهم المؤامرات وتحركهم أطراف وتمويل أجنبى، أو أن المعارضة هى مرادف للفوضى والانقلاب على الشرعية فهو ليس فقط منطق مغلوط ولكنه ذات المنطق الذى استخدمه نظام مبارك ضد جماعة الإخوان وسجن به قادتها ومنهم الرئيس نفسه. هو نفس المنطق الذى يتحدث عن أن الإخوان ممولون من قطر ويشترون الأصوات بالدين تارة وبأكياس الدقيق تارة وفى كلتا الحالتين هو خطاب يفتقر الدقة وحتى الأدلة. للإخوان وتيار الإسلام السياسى ظهير شعبى بالتأكيد وتواجد مجتمعى لا يمكن إنكاره ولكنه ليس التواجد الوحيد ومعارضتهم تأتى من الشارع وليس فقط من شاشات الفضائيات التى يملكون مثلها (قنوات ٢٥ يناير، الحافظ، والناس.. على سبيل المثال).

 

●●●

 

 والمدهش فى هذا الخطاب أنه استبدل فزاعة الإسلاميين التى لطالما استخدمها نظام مبارك بفزاعة «النخبة». والنخبة بالتعريف هم المسيطرون على أدوات الحكم والثروة وبالتالى فى حالة مصر الآن فالنخبة هم قيادات جماعة الإخوان المسلمون بشكل أساسى فهم النخبة الحاكمة. ثم دائرة أخرى من الرموز المجتمعية تشمل تيارات سياسية مختلفة وقادة رأى ولكن حتى فى هذه الدائرة فتيار الإسلام السياسى موجود بقوة. فلا أنسى أول مرة دعوت الأستاذ نادر بكار (من حزب النور) لزياتى فى الجامعة واكتشفت أن كل العاملين بالجامعة يعرفونه ليس من القنوات الدينية ولكن من ما يسمى بقنوات «النخبة». فتصوير معارضة الرئيس وجماعته على أنها صراع بين نخبة لا تمثل إلا ظاهرة صوتية على الشاشات من جهة وبين جموع الشعب (الإرادة الشعبية) من جهة أخرى هو تصور متعال وإنكار للحقيقة. فمعارضة الرئيس لها بعد جماهيرى أيضاً ليس مدفوعاً بما يبثه الإعلام ولكن بمشاكل أخرجتهم للثورة على مبارك من قبل ولم يتم التعامل معها إلى الآن. وهذا ما يجعل هذه المعارضة لا يمكن التعامل معها بالصندوق وحده حتى لو لك الأغلبية المطلقة ــ وهى غير موجودة ــ ولكنها تحتاج للتشارك فى صناعة القرار وحمل تركة مشاكل معقدة ومتشعبة لا يقدر عليها فصيل سياسى لوحده حتى لو امتلك الصندوق. أخيراً، نعم للصندوق شرعية ولكن للمظاهرات والاحتجاجات شرعية أيضاً وللدم حرمة وشرعية أكبر من الاثنين.

 

التعليقات