الأرجح أنك سعيد بحكم محكمة القضاء الإدارى بوقف بث قناة الحافظ، تأخذك خصومة سياسية إلى هذا الفرح، أو غيرة مهنية، أو حتى استياء حقيقيا مما يجرى تداوله على شاشاتها من فحش فى القول لا يتناسب مع إعلام محترم ولا مع من يقدم نفسه فى ثوب الداعية.
لكن كل ذلك لا يجب أن يجعلك تتجاهل التفاصيل لأنها ليست مجرد هوامش.. أخلاقيا لا يجب أن تفرح بوقف وسيلة إعلام كاملة، خاصة إذا كنت من أولئك الذين يثمنون حرية الإعلام، ويعرفون أنها مكتسب حقيقى من مكتسبات المجتمع التى حصل عليها بعد نضال طويل مع نظام ديكتاتورى معلن، ولا يجوز التخلى عنها.
من واجبك أن تقلق سواء كنت من أبناء هذه الصناعة أم من المستفيدين من وجودها وتنوع اتجاهاتها كمتلقٍ يجد الخطابات أمامه فيقبل ما يقبل ويرفض ما يرفض، ويدير الشاشة أو يقاطع الصحيفة كما يشاء.
أولا: هذا أول تطبيق عملى لنصوص دستورية تسمح بإغلاق الصحف ووسائل الإعلام بحكم قضائى، وشرعنة هذا التطبيق لن تقف به عند حدود قناة الحافظ، أو الممارسات المجمع على رداءتها وفحشها، لكنها ستمتد لتشمل كل عمل إعلامى يرى أى قاضٍ وفق تأويله أنه ضار بالمجتمع أو فيه خروج عن قيمه.
ثانيا: يمثل الحكم عقوبة جماعية لمؤسسة بأكملها بجميع العاملين فيها من إعلاميين وموظفيين وفنيين، بسبب جريمة شخص أو برنامج، وقبل أن أسهب، أؤكد أننى مؤيد تماما لكل حيثيات المحكمة حول تجاوزات وخروقات وفحش البرنامج المتهم ومقدمه، لكن هل تعرف مبدءا قانونيا اسمه «العقوبة فردية»، هل تعرف وأنت محكوم بدستور نافذ مرجعيته الأساسية الشريعة الإسلامية، أنه استقر بالنص أن «لا تزر وازرة وزر أخرى» و«كل نفس بما كسبت رهينة».
من غير المقبول إذن أن يرى قاض أو متقاضٍ أن ما أكتبه فى هذه الجريدة مسىء أو جارح أو متجاوز للقانون ولقيم المجتمع، فيحكم بإغلاق الصحيفة كلها، فيتضرر غيرى ممن لم يرتكبوا ذات الإثم وربما عارضوه،ولم يقبلوا به إلا إيمانا بحرية الرأى، ويتضرر مجتمع يخسر من رصيد طاقته الإعلامية نافذة كان يمكن ترشيدها بالقانون أيضا.
هذا لا يعنى أن المؤسسات لا تعاقب على تضامنها مع المتجاوزين فيها، لكن المؤسسات كهيئات يمكن تغريمها لكن الغلق الكامل فضلا عن كونه عقوبة جماعية، هو عين الاعتداء على حرية الإعلام بشكل عام.
القضية الآن ليست قناة وإنما نمط فهم لواقع الإعلام يجعله مهددا باستمرار أكثر مما هو مهدد، ويمنح العصف به أسانيد دستورية وقانونية وسوابق قضائية، لا تجعل ما سيأتى بعد هذا الحكم من أحكام يبدو شاذا أو مستغربا وصادما.
يحتاج الإعلام إلى تنظيم من الداخل، وإلى مواجهة ذاتية لكل أشكال الخرق المتفق عليها وليست المفسرة سياسيا بعيون وأهواء حزبية، تلك الضوابط المهنية هى التى ستحمى الجميع داخل الصناعة وخارجها، أما تسليم الأمر لنصوص لا تحترم حرية الإعلام، وتشفى سياسى فى هذا الخصم وذاك، سينتهى وقد فقد المجتمع كله حقه فى إعلام حر لا تحتويه سلطة لا بسيفها ولا بذهبها.