نفس خامة الكرسي! - بلال فضل - بوابة الشروق
الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 3:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نفس خامة الكرسي!

نشر فى : الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص

كانت تلك الليلة الأولى التي يبيت فيها الرئيس الجديد في مقر إقامته بداخل القصر الرئاسي، لم تمض دقائق على دخوله إلى غرفة نومه وبدأ حرسه في الإستعداد لساعات من الراحة بعد يوم مرهق طويل، حتى فوجئ الحرس به يخرج وقد ارتدى «ترينج» ظل شكله مثارا للتندر بينهم لفترة، فوجئوا به يطلب منهم الخروج بصحبته إلى «فرن إفرنجي» قريب من القصر قال لهم أنه كان زبونا له من زمان، لم يكن لديهم خيار سوى الإستجابة لرغبته الملحة في الذهاب رغم أن الساعة تجاوزت منتصف الليل بكثير، ظن بعضهم أن المشوار وراءه «شو إعلامي» وأنهم سيجدون مصورين في انتظارهم أمام الفرن، لكن ذلك لم يحدث، واتضح أن الأمر ليس وراءه سوى رغبة بريئة من الرئيس في التصرف كمواطن عادي يعشق البسكوت أبو عجوة، ربما لكي يؤكد لنفسه أنه لن يتغير أبدا، وهو ما كان يدفعه للكثير من التصرفات التلقائية التي أرهقت طاقم حراسته خلال الأيام الأولى من رئاسته ودفعت الجهات الأمنية السيادية إلى تكرار تنبيههه إلى المخاطر التي يمكن أن يحدثها ذلك. 

 

في الزيارة الأولى التي قام بها عدد من الكتاب إلى قصر الرئيس شكا لهم أنه تم اليوم قطع المياه عنه عمدا فلم يكمل وضوءه، واضطر للتدخل بنفسه لكي يتم إعادة المياه إلى القصر، كانت الواقعة مجرد مثال على حالة من العدائية المبطنة التي كان يشعر بها موجهة ضده من العاملين بالقصر، وربما لذلك كان يجد الونس في صحبة القادمين معه من الخارج والذين كانوا يساعدونه على فك شفرات القصر، وتقسيم العاملين فيه إلى قوائم تضم المتعاونين والمتباطئين والمشكوك في أمرهم والميئوس منهم، تمهيدا للتعامل مع كل منهم بما يقتضيه الأمر من تدليل أو ترغيب أو إبعاد أو ترهيب. كانت تتملك الرئيس في تلك الأيام حالة من الحذر الشديد جعلته يحضر الإجتماعات التي تنعقد مع كبار رجال الدولة وهو يحمل طبنجة في حزامه، انكشف ذلك عندما عبر ذات مرة بوابة إلكترونية مثبتة في باب وزارة مهمة فأصدرت البوابة صوت تنبيه جعله يشير بتلقائية إلى الطبنجة، لتصبح الواقعة مثارا لتندر قيادات الجهاز الذين تساءل بعضهم حول مدى سرعة الرئيس في استخراج الطبنجة من مكانها إذا وجد نفسه عرضة للإغتيال.

 

بعد فترة وجيزة من توليه مقاليد الحكم وأثناء سيره في طرقات القصر، توقف الرئيس عند غرفة خالية تجاور مكتبه الرئاسي بها طاولة فخمة وأربعة كراسي أشد فخامة، كان باب الغرفة مفتوحا ربما بالصدفة ولذلك لفتت إنتباهه ودفعته لأن يسأل أحد كبار العاملين بالقصر لماذا لا يتم عقد الإجتماعات في هذه القاعة الملاصقة للمكتب؟، بعد لحظة ارتباك رد عليه موضحا أن هذه الغرفة ليست قاعة اجتماعات بل هي غرفة طعام تم توضيبها خصيصا بناءا على رغبة الرئيس السابق لكي يشاركه الغداء فيها زوجته وإبناه، وأن هذا هو سر وجود أربعة كراسي فقط برغم ضخامة الطاولة، أخذ الرئيس ينظر إلى الغرفة متفحصا، شعر مساعده بالقلق للحظة وخشي أن يكون قد أخطأ لأنه لم يلقب الرئيس السابق بالمخلوع، لكن أفكاره قاطعها صوت الرئيس وهو يقول له أنه من الغد يريد أن يُضاف إلى هذه الطاولة كراسي جديدة تلائم عدد أفراد أسرته لكي تتمكن الأسرة من مشاركته الغداء، قبل أن يرفع إصبعه مشددا «بس عايز الكراسي الجديدة تكون من نفس الخامة اللي معمول بيها الكراسي دي»، احتار المساعد في فهم سر ذلك التأكيد، حتى استراح لتفسير زميل له بأن الرئيس لازال على مايبدو مستاءا من الأجواء غير الودودة التي شعر بها في بداية دخوله إلى القصر، وأنه لايريد أن يشعر بأنه أقل من سابقه، حتى لو كان ذلك بدعوى الحرص على التقشف وضغط النفقات. 

 

بعدها بفترة، وخلال زيارة خارجية للرئيس إلى عاصمة عربية، وبعد أن أثنت الصحف ووسائل الإعلام على قرار أسرة الرئيس بأن تسافر على نفقتها الخاصة دون أن تصحبه في طائرة الرئاسة، فوجئ المرافقون للرئيس بإتصال ليلي يطلب منهم اصطحاب أسرة الرئيس إلى المطار الذي تقبع فيه الطائرة الرئاسية، ظن بعضهم أن هناك رغبة من الرئيس في تسفير أسرته مبكرا على طائرة الرئاسة لوجود ظرف خاص، وأخذ الجميع يضربون أخماسا في أسداس، قبل أن يتبين في نهاية المطاف أن الأسرة كانت راغبة فقط في رؤية طائرة الرئاسة من الداخل وتفقدها، وبدأت تروى في الأروقة نوادر عن حالة الإنبهار التي أصابت ليلتها بعض أفراد الأسرة والتي وصلت إلى ذروتها عندما اكتشفوا وجود «جاكوزي» في حمام طائرة الرئاسة.

 

الآن وبعد مرور كل هذا الوقت، لم يعد الرئيس يخرج إلى الفرن القريب لشراء البقسماط لأن قصره محاصر طيلة الوقت بالغاضبين، لم يعد يفاجئ حراسه بأي زيارات مفاجئة تخرج على الخطة الأمنية المحددة سلفا، لم تعد المياه تنقطع عنه وهو يتوضأ لأن المقيمين معه داخل القصر أصبحوا أقرب إليه من كل الموجودين خارجه خاصة بعد أن اختفت تماما كل مخاوف ضغط الإنفاق في ميزانية الرئاسة ومكافآت العاملين بها، لم يعد يلتفت لما يثار في الصحف ووسائل الإعلام حول مظاهر الفخفخة التي تظهر عليه وعلى أسرته، لم يعد يعترض على الموكب الرئاسي الضخم الذي كان يثير تململه في البداية، لم يعد يخشى من قادة الأجهزة الأمنية فقد أصبحوا الأقرب إلى أذنيه وعقله بكل ما يحملونه إليه من تسجيلات وتحذيرات وتخويفات، باختصار لم يعد الرئيس الجديد يجلس فقط على نفس خامة الكرسي الذي كان يجلس عليه الرئيس السابق، فقد أصبح هو نفسه رئيسا من نفس الخامة.