لمن يستغيثون بالجيش.. هذا هو الغوث - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 4:59 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لمن يستغيثون بالجيش.. هذا هو الغوث

نشر فى : الأحد 14 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 14 أبريل 2013 - 8:00 ص

«نأسف للإضراب».. قالها سائق القطار خالد بصوت مؤثر بينما كانت قسمات وجهه تعكس صدقا لا تخطئه العين. نحن نعتذر لكل من صعب عليه الوصول إلى مقر عمله أو لم يصل إلى مدرسته أو جامعته. ونرجو أن يلتمس لنا عذرا كل من قضى يومه نائما على رصيف من أرصفة السكة الحديد انتظارا لقطار ينقله إلى حيث يقضى مصلحة شخصية وإضرابنا عطله عن قضائها.

 

كان السائق، المتعاطف مع الركاب الغاضبين عليه وعلى زملائه السائقين، يقدم هذا الاعتذار أمام عدسات القنوات الفضائية يوم الثلاثاء الماضى بينما يتأهب ضمن حوالى مائة آخرين للذهاب إلى مركز التعبئة بالقوات المسلحة بالفوج (39) بالشرابية. تنفيذا لأمر تكليف بتسليم أنفسهم إلى القوات المسلحة تطبيقا لقانون التعبئة العامة.

 

يكاد يجن وهو يقول «أنا مدنى» كيف يتم استدعائى للتجنيد، بل وأجبر، تحت تهديد المحاكمة العسكرية أن أركب قطارى وأقوده. ألم يخشَ أى مسئول على حياة الركاب وأنا أسير بهم والدم يكاد يفور فى رأسى ويلوح أمام عينى شبح المحاكمة العسكرية الذى يتهددنى أنا وزملائى؟ يقولها شريف ويخلى موقعه لسائق آخر يتحدث فى المؤتمر. والذى نظمه لهم المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وسرد أشرف الطريقة التى تم بها استدعاؤه هو وزملاءه من منازلهم ليلا. «وكأن أجهزة الأمن تقبض على بلطجى أو لص. هكذا يعاملون من يطالب بحقه فى هذا البلد».

 

 

●●●

 

إلى هذا الوقت لم يكن أحد قد استطاع أن يفك مغزى ماذا يعنى أن سائق القطار قد أصبح فجأة مجندا. «تخلفكم أو تأخيركم عن التواجد بالمكان والزمان المحددان يعرضكم للحبس لمدة ستة أشهر أو الغرامة حتى 5000 جنيه» والتوقيع مدير إدارة الاحتياجات التعبوية. هذا هو نص الخطاب الذى وصل لمائة من السائقين المضربين على ورقة مكتوب عليها رئاسة مجلس الوزراء وتحتها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء (الجهاز الذى يرأسه لواء سابق فى الجيش).

 

لم يفهم الحاضرون كيف يرغم سائق مضرب عن العمل (وهذا حق مشروع طبقا للقانون) بالعودة عن إضرابه بقرار عسكرى. إلا بعد أن شرح خالد على المحامى الحقوقى أن هذا يأتى ضمن قانون صدر قبل أكثر من خمسين عاما يعطى الحق لرئيس الجمهورية، بإعلان حالة التعبئة العامة فى البلاد. فى حالات محددة مثل نشوب حرب أو توتر فى العلاقات الدولية، أو حدوث كارثة. ويعتبر إعلان رئيس الجمهورية شرطا، لإعطاء الحق للقوات المسلحة لاتخاذ بعض التدابير اللازمة. ولكن رئيس الجمهورية لم يصدر حالة التعبئة العامة، فكيف لوزارة الدفاع أن تصدر مثل هذا الأمر؟ كان هذا مضمون البلاغ الذى قدمه خالد على لمكتب النائب العام.

 

عندما كان السائقون يغادرون مكان المؤتمر الصحفى، متوجهين إلى الفوج (39) كانت عدوى المرارة فى حلوقهم قد زحفت على المكان. ولكن ما هى إلا ساعات حتى أتاهم مددا وزادا من حيث لا يحتسبون. فقد فوجئوا بزملاء لهم من سائقى مترو الأنفاق، والذى تم انتدابهم من السكة الحديد للعمل فى المترو، قد سبقوهم إلى مقر مركز التعبئة. وهددوا بالإضراب عن العمل ووقف خطوط المترو فى حال عدم إلغاء الأمر العسكرى.

 

وبعدها تهللت وأنا أسمع من أحدهم عبر الهاتف أنهم خرجوا من الحجز دون أن يقبل أحد منهم أمر التكليف. وكانوا وهم فى طريقهم إلى بيوتهم يحمل كل واحد منهم ورقة فيها دليل انتصاره وقهره للظلم. ورقة تثبت إلغاء تكليفهم وعودتهم للعمل تحت إمرة هيئة السكك الحديدية.

 

●●●

 

عدت من المؤتمر وأصوات السائقين أشرف وشريف ووحيد وكريم وهيثم وخالد لا تفارقنى. أصواتهم كانت تتداخل وتختلط دون أن تبدو مفهومة إلا لمن يدقق السمع من كثرة ما يريدون أن يكشفوا عنه. أستعدت همهماتهم حول المحاولات العديدة لوقف أشكال الفساد المستشرية داخل الهيئة والتى قام بها السائقون والكمسارية قبل الثورة. والتى يقولون إنها باءت بالفشل بعد تدخل أمن الدولة. وكان أشهرها تقديم بلاغ للنيابة ضد صفقة الجرارات التى اشتراها وزير النقل الأسبق محمد منصور من الولايات المتحدة.

 

وقد أجمعوا على أن ضغطا مورس على مقدمى البلاغ للعدول عن آرائهم حول أحوال تلك الجرارات وعدم مطابقتها للمواصفات. ودللوا على صدق البلاغ بأنه تم تكهين بعض من هذه الجرارات والأخرى تم تشغيلها لنقل البضائع فقط وليس الركاب الآدميين. صدقتهم وعدت إلى قصاصة من جريدة الأخبار كنت قد احتفظت بها فى درج مكتبى من يوم 14 يونيو 2009. وأقسم بالله لا أعرف ما السر فى احتفاظى بهذا الخبر كل تلك السنوات سوى أننى شممت فيه رائحة كريهة. يقول الخبر: «حفظ التحقيقات فى صفقة الجرارات الأمريكية بعد أن تراجع مقدمو البلاغ من السائقين ضد وزير النقل وأكدوا أنهم لا يعرفون شيئا عن البلاغ وإن الجرارات تعمل بكفاءة عالية ولم يظهر بها أى عيوب».

 

ألم يكن من الأولى لقيادات القوات المسلحة وقد قررت التدخل فى الأمر ودس أنفها لعلاج أزمة السكة الحديد أن تدير حوارا مع هؤلاء المطلوبين للانصياع للأمر العسكرى وتسألهم: ما الذى دفعهم إلى الإضراب؟ أو سؤال رئيس الوزراء ووزير النقل ورئيس هيئة السكة الحديد لماذا لم يفتح أحد منهم ملفات الفساد بالهيئة حتى الآن؟

 

ولماذا لم يكلف رئيس الوزراء نفسه بالسؤال عن المليارات (8.2 مليار جنيه) التى كان قد تم توجيهها قبل الثورة لإصلاح المرفق ولشراء 80 جرارا ولشراء قطع غيار لإجراء «عمرات» للقطارات القديمة ولإصلاح المزلقانات؟ ألم يكن من العدل قبل أن تستجيب قيادات القوات المسلحة لطلب الحكومة بالتدخل لتكسير عزيمة المضربين الذين يطالبون بإصلاح مرفقهم أن تسأل: ما ذنب عمال السكة الحديد فى مجاملات الهيئة بتقديم تصاريح مجانية وامتيازات لبعض الجهات السيادية على حساب نقص إيرادات الهيئة. وهو ما جعل من مطلب السائقين بزيادة حافز الكيلو الذى يقطعونه فى ساعات الحر والبرد والشبورة والتراب من عشرة قروش إلى 25 قرشا طلبا عزيز المنال. ألم تكن هذه الأموال تكفى لتقديم حافز يعين السائقين الذين وصلت خدمتهم فى الهيئة لأكثر من عشرين عاما ولا يزالون يتقاضون 1800 جنيه؟

 

ولماذا لم تنظر القيادات التى أصدرت الفرمان العسكرى فى ميزانيات الهيئة لترى كيف أن التهاون فى تحصيل المديونيات المستحقة لها لدى الغير والتى تصل إلى المليارات. خاصة لدى شركات الخدمات الخاصة التى تتعاقد لإدارة الكافتيريات وقطارات النوم طوال السنوات الماضية. إلى الحد الذى وصل بالمسئولين إلى تعديل التعاقد مع شركة منهم بما يسمح بإسقاط مديونيتها السابقة (60 مليون جنيه). كيف أن هذا التهاون أضاع أموالا كان من الممكن أن توفر ثمن الوجبة اليومية (ثلاثين جنيها) التى نشف ريق السائقين وهم يطالبون بها. أو تكفى لإصلاح أوضاع القطارات والمزلقانات والإشارات الضوئية التى أضاعت أرواح رفاق لهم لا يزال بعضهم يحتفظ بصورهم فى جيبه.

 

●●●

 

وعموما سواء كانت القوات المسلحة هى صاحبة المبادرة أو استجابت فقط وقبلت أن تكون عصا فى يد الحكومة الإخوانية التى تضطهد العمال بأساليب غير مسبوقة. فقد كشفت بنفسها أمام قطاعات واسعة من المصريين الذين كانوا يستنجدون بها لإنقاذهم من حكم الإخوان. كشفت لهم فى وقت مناسب للغاية أن العودة لحكم العسكر لن يحمل خيرا للمضطهدين. ولكن فقط يعطى الاضطهاد صبغة عسكرية. فلماذا نحشر أنفسنا فى حارة «مزنوقة» بين عصا العسكر وعصا الإخوان؟ فلنعصى كل من يرفع فى وجوهنا عصا.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات