على الرغم من استحقاق بعض الفائزين بجوائز الدولة التى تم اعلانها الاسبوع الماضى إلا أن هناك أزمة أطلت برأسها تتعلق بآليات منح الجوائز وطريقة التصويت عليها.
صحيح أن تغييرات كثيرة طرأت على قانون منح الجوائز إلا أن الشواهد تثبت أنها لم تحقق الغرض منها وظلت الأزمة موجودة.
ولو بدأنا مثلا من جهات الترشيح التى حددها القانون فى الجامعات والجمعيات العلمية والأدبية والفنية والهيئات ذات الصلة سنلاحظ أن الجامعات بكل أسف لا تمد بصرها خارج الأسوار، حيث تلجأ لترشيح أساتذتها من ذوى الإنجاز الاكاديمى مما حول الجوائز فى غالبيتها لما يشبه نتائج أبحاث الترقى ولم تعد تقديرا لمنجز مجتمعى شامل يجعل من المرشح فاعلا فى المجال العام وهذا هو الأصل فى منح الجائزة.
ومن المؤسف حقا أن الجامعات لم تعد تقدم مثقفا أو مفكرا بحجم طه حسين وفؤاد زكريا وزكى نجيب محمود أو عبدالرحمن بدوى ولا أمين الخولى أو عائشة عبدالرحمن أو سهير القلماوى ولا لويس عوض أو محمد مندور.
وما حدث أن الجامعات تحولت فى الأغلب وبشهادة أساتذتها إلى كيان بيروقراطى يقوم على اعادة الانتاج ونسخ الأبحاث وتكرار نتائجها إلا من رحم ربى.
وبطبيعة الحال لا يمكن حرمان الأساتذة المتميزين من حقهم فى التقدير لكن السؤال: ما نوع هذا التقدير الملائم وهل يكون بجائزة تحمل اسم الدولة أم الجامعة؟
أتصور أنه من الضرورى حفظ جائزة الدولة ككيان له مكانة رمزية ومعنوية كبرى لا ينبغى التفريط فيها ويمكن اللجوء لمكافأة الأكاديميين الأكفاء فى عيد العلم وعبر أوسمة الاستحقاق المعتادة وليس بجائزة بهذا الحجم الكبير.
ومن الواضح أن الجامعات ليست وحدها المتهمة بالتقصير فى الترشيحات، بل إن الجمعيات العلمية والأدبية واتحادات الكتاب والنقابات الفنية تفعل نفس الشىء، حيث لم تعد ترشح قامات أدبية أو فكرية أو فنية كبيرة وتكتفى بترشيح الأعضاء الكبار فى لجانها بغض النظر عن الاستحقاق.
ولك أن تتخيل أن كاتبا كبيرا مثل محمد المخزنجى يستحق جائزة نوبل للآداب لم يحظ إلى الآن بجائزة مصرية لائقة بمكانته، لأن اتحاد الكتاب واتيليه القاهرة أو الاسكندرية أو نادى القصة ليسوا على قدر موهبته وبالمثل هناك مخرج سينمائى مثل خيرى بشارة لا يحظى بجائزة تقديرية فى مجاله وهذه فقط مجرد أمثلة توضح ما وصلنا إليه بفضل جهات الترشيح التى تتعمد القفز فوق الاولويات وتجاوز أصحاب المنجز المؤثر وتنحاز لآخرين ربما أقل تأثيرا.
وتبقى ملاحظتان، الاولى تخص المعايير التى يتم تطبيقها فى جائزة التفوق وهى «أم المشكلات» فالقانون يتيح التقدم لها كما يسمح بتقديم ترشيحات بالنظام المعمول به فى جوائز النيل والتقديرية وعادة ما تقوم لجنة تشكل بقرار وزارى بتصفية قوائم الترشيحات وفى الغالب ترتكب هذه اللجان حماقات كثيرة تستبعد على أثرها أسماء مستحقة كما حدث هذا العام باستبعاد أحد عمداء كليات الاعلام أو كما فعلت قبل عامين واستبعدت ناقدا متميزا وهذا اجراء غير دستورى يحق للمجلس الغاءه واستعادة جميع الاسماء المقدمة لنيل الجائزة والتصويت عليها كلها وبالتالى ظلت الامور غير واضحة مما فتح الباب أمام تأويلات كان المجلس فى غنى عنها.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالتشكيل الحالى لاعضاء المجلس الاعلى للثقافة والذى لا تسقط عضويته مدى الحياة، فمع كل الاحترام لقاماته الكبيرة لا يمكن القول إنهم يفهمون فى جميع فروع الجائزة لأن اختيارهم جاء لمكانة بلغوها فى تخصص بعينه
وعادة ما يتعرض هؤلاء لضغوط كثيرة تسبق عملية التصويت وشخصيا طلب منى أكثر من عشرة مرشحين أسماء وارقام هواتف هؤلاء الأعضاء لكى يحثونهم على التصويت لصالحهم وأغلب هؤلاء نجح فى ذلك بالفعل ما جعل الجوائز فى التحليل الأخيرة محصلة لكفاءة المرشح فى عملية تعبئة الأعضاء خلال عملية التصويت التى تتوجه دوما للأكثر شهرة وليس ناحية الأكثر استحقاقا وهذه مهزلة ينبغى أن تتوقف لنبدأ من الان التفكير فى تغيير محتمل لقواعد اللعبة لتصبح أكثر عدلا وشفافية.