الربيع العربى: ثورة التعليم العالى المنتظرة - أندرية إلياس مزاوى - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:26 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الربيع العربى: ثورة التعليم العالى المنتظرة

نشر فى : الخميس 15 سبتمبر 2011 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 سبتمبر 2011 - 4:49 م

إن إسقاط حكام مصر وتونس بعد مظاهرات حاشدة لتغيير النظام ــ والتى استمرت بعدها لتمتد من الجزائر إلى اليمن وكذلك إلى ليبيا وسوريا والأردن والبحرين ــ قد أحيا أملا بفجر سياسى جديد فى المنطقة العربية. بحركة تشبه «البركان»، كما شبهها بعض المراقبين، نادت حركات التظاهر بشكل جديد من المواطنة وبترسيخ أسس جديدة لشرعية الدولة. ويشير المعلقون إلى أن «الربيع السياسى» تأخر كثيرا ويدعى آخرون بأنها «نهضة» أو «صحوة عربية» مجددة، بينما يصر البعض الآخر على أنها شلال من «الثورات» تبشر بأشكال جديدة من السياسة متناغمة مع قضايا حقوق الإنسان والمشاركة السياسية.


كاستجابة لذلك، جرى تقديم مبادرات إصلاح سياسية بشكل محموم من قبل النخبة الحاكمة من أجل احتواء أزمة الشرعية المندلعة. فى هذه الفترة الحاسمة، يتساءل المرء كيف تؤثر هذه الاضطرابات السياسية الممتدة فى المنطقة العربية وكذلك مبادرات الإصلاح التى تقدمها النخب الحاكمة المحاصرة فى العالم العربى على العلاقة بين الدولة والتعليم العالى بشكل خاص؟

 

التعليم العالى وشرعية النظام

 

تلعب مؤسسات التعليم العالى فى العالم العربى دورا أساسيا فى دعم إنتاج صورة ذاتية متوقعة للنظام بوصفه حكما صالحا. حيث يقوم حكام البلاد بتوفير فرص الالتحاق بالتعليم العالى لطلبة المدارس الثانوية، ولا سيما ممن ترجع أصولهم إلى خلفيات ضعيفة اجتماعيا واقتصاديا، وكذلك الأفراد الراغبين باستماتة فى الدخول إلى سوق عمل محدودة بنيويا. يتزامن ذلك مع تأمين النظام لوظائف مستقرة للأكاديميين والمفكرين القادمين من الطبقة الوسطى والطبقة الوسطى العليا، حيث تمثل الأخيرة قوة سياسية متزايدة تنظم نفسها وترتبط بمدى واسع من الإيديولوجيات السياسية التى ليست بالضرورة متوافقة مع عقيدة النظام السياسية. وإحدى الفوائد الأخرى، وليست الأخيرة بالطبع، لنظام التعليم العالى تتمثل فى توفير مساحة جيدة للنخبة السياسية من أجل اختيار أو تعيين وزراء أو كوادر سياسية محترفة أو صناع قرار من داخل الأكاديميين.

 

تنظم النخبة الحاكمة تعيينات المناصب القيادية من داخل نظام التعليم العالى، حيث تم إجراء بعض «الإصلاحات» باتجاه تقليص مشاركة الأساتذة والطلبة فى إدارة العملية التعليمية واحتواء الجماعات المعارضة. ففى مصر على سبيل المثال أضاف قانون 142 لسنة 1994 العمداء إلى قائمة المسئولين المعينين من قبل وزير التعليم العالى. وبالتالى احتوت مجالس الجامعات على أشخاص تم تعيينهم من قبل الوزير، مع مساحة بسيطة «إذا وجدت» لأى صوت غير معين من الأساتذة والطلبة.

 

أجندات سياسية متعارضة أم متكاملة؟

 

إن استمرار هيمنة الدولة السياسية من خلال تبعية نظام التعليم العالى يحدث عبر سياسات تسعى إلى تكييف التعليم العالى مع «احتياجات» سوق العمل، وذلك من خلال المحاسبية والانفتاح الاقتصادى فى محاولة لتشجيع بروز قيادات أكاديمية وإدارية ابتكارية جديدة، بالإضافة إلى تحسين الحوكمة لمؤسسات التعليم العالى. ومن الأمثلة المناسبة على ذلك؛ مشروع تطوير التعليم العالى المصرى (الذى يموله البنك الدولى)، والمشروع السورى حول إدارة الجودة الجامعية والاستقلالية المؤسسية (كجزء من مشروع Tempus الذى يموله الاتحاد الأوروبى). كذلك، يحتج صانعو القرار دائما بانخفاض تصنيف الجامعات العربية على قوائم التصنيف العالمية كدليل إضافى لتبرير الحاجة إلى إعادة هيكلة التعليم العالى.

ومن ثم، توجد علاقة تغذية متبادلة بين التبعية السياسية والانفتاح الاقتصادى، فمن ناحية تؤدى التبعية السياسية لمؤسسات التعليم العالى إلى تقويض فكرة بروز قيادات جامعية أصيلة وتؤكد فرض أساليب تسلطية لاتخاذ القرار. من ناحية أخرى، تسعى الإصلاحات إلى الترويج للمساهمة الاقتصادية للتعليم العالى التى تقدم مستويات من المحاسبية وظروف جديدة للعمل الأكاديمى دون ضمان الحريات الأكاديمية أو إثارة الجدل حول الأنظمة المتسلطة فى الإدارة.

 

وكجزء من بناء ما يعرف باسم «مجتمع المعرفة العربى»، تقدم الإصلاحات الليبرالية (كجزء من خطط لإعادة الهيكلة المالية) أشكالا جديدة من التعليم العالى، مثل المؤسسات الخاصة، والدولية، والهادفة للربح كمحاولة لتقديم خيارات بديلة للتعليم العالى المدعوم من الدولة. لقد كان هذا هو الوضع فى مصر، وتونس، والأردن وكذلك دول مجلس التعاون الخليجى الأصغر حجما بالرغم من الفروق بينها.

تقوم النخبة الحاكمة وصناع القرار فى كثير من الدول العربية بالتوفيق بين هذا التناقض الظاهرى فى الخطاب السياسى عن طريق قصر تناول قضايا التعليم العالى على قضايا مرتبطة بـ«رأس المال البشرى»، حيث يتم التركيز عادة على مؤشرات أداء التعليم العالى القابلة للقياس، مثل معايير الالتحاق بسوق العمل، والقابلية للتوظيف، والعائد الاقتصادى للخريجين. هذا، وفى الوقت نفسه، يتم تجاهل السياقات السياسية التى ترزح تحتها مؤسسات التعليم العالى.

 

ومن ثم لا يتم التطرق إلى قضايا محورية مثل مشاركة الأساتذة والطلاب فى إدارة العملية التعليمية، ودورهم فى دعم ثقافة البحث العلمى، مما يعزز من الاستياء والعزلة وخيبة الأمل تجاه كل من مؤسسات التعليم العالى والدولة على حد سواء.

 

كذلك، تسهم التبعية السياسية لمؤسسات التعليم العالى فى تآكل الاحترام العام الذى حازته هذه المؤسسات على مدى الزمان. ويوضح أيضا بشكل جلى ــ كما أوضح عالم الاجتماع محمد صبور فى كتابه The Ontology and Status of Intellectuals in Arab Academia and Society ــ مدى هامشية معظم العاملين فى التعليم الجامعى والأكاديمى الذى غالبا ما يفتقر القدرة على «قول الحقيقة للسلطة» من داخل نظام المؤسسة الجامعية دون الخوف من انتقام السلطة وبطشها.

 

يفرض الاعتماد المبالغ فيه للدول العربية على الاستشارات الخارجية والمعرفة المستوردة حدودا أكبر على مؤسسات التعليم العالى من جهة قدرتها على الانغماس بشكل منتج فى التحديات التنموية أو المشاركة فى توطين المعرفة من خلال مداخل بحثية سياقية قابلة للتطبيق ــ خصوصا فى مجالات العلوم الاجتماعية والتعليم.

 

وللمفارقة، بينما كانت هذه الإصلاحات السابقة لهذه الموجات من الاعتراضات على الأنظمة قد وسعت فرص التعليم العالى إلى آفاق أوسع، غالبا خلال فترة صغيرة، فإن هذه الإصلاحات قد عرضت الدولة ونظام التعليم العالى لرؤى غير ثابتة للحداثة والعولمة.

 

إعادة هيكلة نظام التعليم العالى من الداخل

 

ليس من الواضح بعد ما الذى ستكون عليه شكل العلاقة بين الدولة والتعليم العالى كنتيجة للأوضاع السياسية الحالية، كما أنه ليس من الواضح هل وكيف ستؤدى الاضطرابات السياسية التى نشهدها حاليا إلى التأثير على كيفية إدارة التعليم العالى بشكل خاص. لكن من الواضح أنه من أجل ضمان ازدهار القوة التوليدية للتعليم العالى، يجب أن تدرك كل من الدولة التى تتشكل تحت عيوننا وكذلك المجتمع المدنى أنه لا يمكن التفكير فى الأدوار السياسية والاقتصادية والثقافية للتعليم العالى بمسارات منفصلة ومنعزلة.

بالمثل، من الواضح تماما أنه من الضرورى أن يعمل الأكاديميون على تحويل أدواتهم البحثية إلى داخل الجامعة، عن طريق التفكيك النقدى لأسس بنية التعليم العالى التى يعملون بها، من اجل صياغة مجددة لعلاقة التعليم العالى بالدولة. إن مثل هذا الانخراط النقدى سوف يساعد ليس فقط فى استعادة مركزية العمل الأكاديمى فى التنمية، لكنه كذلك سوف يربط أماكن الانخراط الأكاديمى بالفعاليات المجتمعية والتحول الاجتماعى.

 

إن مستقبل استعادة هذا الدور ليس مشروطا بالإصلاحات الإدارية من أجل مشاركة أوسع للأساتذة والطلبة، أو بالتخلص من النظام المستبد، على الرغم من أهمية كل ذلك. فهو مرتبط بشكل أساسى بالنضال الشاق والطويل للأكاديميين العاملين من أجل بناء «ثقافة معرفة» شاملة، وهو مرتبط أيضا بتكوين ذات معرفية تدرك أن «القدرة على التطلع والطموح»، و«القدرة على الاختلاف» هى أمور لا يمكن التنازل عنها.

 

ترجمة: عبدالله عرفان

بإذن خاص من مجلة

International Higher Education 

التعليقات