صدقني، لم نكن في حاجة إلى زلزال بالأمس ليذكرنا أننا لا زلنا نعيش في نفس دولة الظلم والإستهانة بالآدمية التي زارها شقيقه قبل 21 عاما في نفس اليوم والتوقيت.
وفر كلامك عن أي رسائل يحملها الزلزال، وتذكر أننا معتادون على الإستقبال الخاطئ للإشارات الإلهية والتنبيهات الكونية، وأننا سنحول الزلزال إلى فقرة مبتذلة في حربنا اليومية التي نحاول أن نجهز فيها على بعضنا، سيقول الإخواني أن الزلزال يعني أن عدالة السماء ليست راضية عنا، كأنها كانت متجسدة عندما كان جيكا والجندي وكريستي وعشرات غيرهم يقتلون على يد الداخلية التي كان هو ورئيسه يهللون لها ويسخرون من كل مطالب بتطهيرها وإصلاحها، وسيقول أنصار منهج «افرم يا سيسي» أن الزلزال دليل على أن عدالة السماء راضية عنا كل الرضا بدليل أن الزلزال لم يتسبب في مقتل مواطن واحد، ولا أظنك بعد كل ما شهدته من هراء ستندهش لو وجدت «مواطنا شريفا» يعتبر الزلزال دليلا على أن الأرض رقصت طربا عندما سمعت أن الفريق السيسي عازم على حكم مصر فور «تضبيط» التحصينات اللازمة.
لا تظن أن كوارث الدنيا يمكن أن تفرق معنا ببصلة، فنحن لن يوقظنا من غفلتنا زلزال شديد اللهجة ولا بركان فتاك الحمم ولا إعصار كاسح الخراب، بل لا قدر الله لو أصابتنا كل تلك المصائب لاستغللناها في تبادل الإتهامات واللعنات، وبادرنا إلى توظيف ما ستنتجه من خراب لتسجيل «الأبناط» اللازمة لحسم «عركة» الكرسي، من لم يعظه الموت فلا واعظ له، ولو كان هناك شيئ يمكن أن يغيرنا إلى الأبد، لكان دماء أبنائنا التي سالت على الأسفلت منذ 25 يناير وما تلاه ووالاه، حاول أن تذكر أحدا الآن بهؤلاء وبحقوقهم الضائعة وبما فعلناه بمطالب الثورة التي ضحوا بحياتهم من أجلها، وستجد نفسك على الفور متهما بأنك راغب في المتاجرة بدمائهم أو محرض على مؤسسات الدولة العظيمة أو راغب في شق صف الشعب المشغول بالإجهاز على أعدائه الذين قال له بهوات التوك شو أنه يجب أن يجهز عليهم سريعا، لكي يهدأ ويستقر ويدير عجلة الإنتاج ويتمتع بسيل المعونات المنهمر من الشرق.
لا تحاول أن تسأل أحدا «كيف يمكن لشعب أن يجهز على بعض من أبنائه حتى لو كان ذلك البعض ذات نفسه لا يمانع في الإجهاز على البعض الآخر؟»، فكلام مثل هذا ستفوح منه رائحة مريبة يقول خبراء الفضائيات أنها رائحة الطابور الخامس اللعينة التي تحجب عطر الإنتصار المجيد عن خياشيم المواطنين، لذلك عندما ترى مثلا ضابطا يقف في عرض الطريق يضرب مسيرة سلمية برصاص رشاشه فيقتل شابا في عمر الزهور في سويداء القلب، فإن لم تبارك ذلك وتهلل له، فكبيرك أن تصمت وتشيح بوجهك كأن الأمر لا يعنيك، لكن إياك أن تفقد عقلك فتفتح فمك بالرفض أو الإمتعاض أو حتى بالتساؤل عما إذا كانت تصرفات قذرة مثل هذه ستجلب لنا الأمن والإستقرار فعلا، عليك أن تعتمد العقلية التي لن تحصل على صك الوطنية بغيرها: «هؤلاء خوارج يؤمنون بالخلافة ويكرهون الهوية المصرية ولذلك فقد سقطت كافة حقوقهم الإنسانية، وحتى لو كانوا لا يحملون سلاحا فمجرد وجوههم خطر على هوية البلد وقتل أي ضابط شجاع لهم دون تطبيق القانون يمثل ثأرا لزملائه الذين سقطوا شهداء في كرداسة وسيناء وغيرها؟»، إياك أن تظن أن إدانتك لكل حادث إرهابي يسقط ضحيته ضابط يؤدي واجبه أو مجند مغلوب على أمره، ستسمح لك بأن تنبه إلى أن الرصاصة التي يقتل بها ضابط مواطنا بشكل همجي لا علاقة له بالقانون، سيدفع ثمنها للأسف زميل له في مكان آخر، «فُكك» وإذا كانت لديك شكوك تخص قدرتنا على أن نقضي على أنصار تيار بأكمله، فعلى الأقل دعنا نحاول أن نجبر من سيتبقى من أفراده على الخضوع، وإذا كنت تتمنى أن ننتصر على تيارات الشعارات الإسلامية بصناديق الإنتخابات بما أننا واثقون من رفض الشعب لهم فأرجوك احتفظ بأمانيك المخنثة لنفسك ودع غيرك يقتل في صمت.
على الجانب المقابل لا تحاول تذكير أنصار الإخوان بخطاياهم التي أوصلت الوطن كله إلى ما هو فيه الآن، لا تحاول أبدا أن «تبدأ الحكاية من أولا»، لا تحاول إقناعهم بأنهم لن يستطيعوا تغيير الواقع إذا لم يغيروا أنفسهم أولا ويتخلصوا من قياداتهم التي خانت دماء الشهداء مرة تلو الأخرى، لا تطلب منهم أن يأخذوا هدنة للتفكير والمراجعة والتأمل قبل أن يواصلوا الإنتحار من أجل أن يعيدوا إلى كرسي الحكم رجلا ظل عاما بأكمله «أينما توجهه لا يأت بخير». عليك فقط أن تختار: إما أن تموت معهم من أجل رضا قادتهم الكذابين، أو أن ترقص في الشوارع المروية بدمائهم على أنغام (تسلم الأيادي)، ليس أمامك خيار ثالث فنحن الآن في معركة، والمعارك لا تحب المتحذلقين ولا الوعاظ ولا المتفلسفين ولا المتوجسين خيفة، المعارك لا يسلك فيها إلا أصحاب «القلب الميت»، فأمت قلبك وأخرس صوتك لكي لا يعلو فوق صوت المعركة الذي لم يعد يطربنا غيره.
أعلم أنك ستبيض لكي تعيد وتزيد في سيرة الشعوب التي أجبرت على العيش المشترك والتوافق الوطني بعد أن دفعت أثمانا باهظة، أرجوك أرح نفسك من عناء الرطّ، فبيننا من يمتلكون آمالا عريضة بأنهم يمكن أن يغيروا قوانين الكون، ألا توجد مرة أولى لكل قاعدة؟، دعنا نحظى بشرف صناعة المرة الأولى في تاريخ البشرية التي تمكن فيها شعب من أن يصبح كتلة بشرية متجانسة مستقرة بعد أن أخرست أصوات المختلفين معها بالقوة دون أن تضطر لخوض صراع سياسي وفكري طويل المدى، لا تنكر أن الأمر يستحق المحاولة، وحتى إذا فشلنا في تحقيقه بعد المزيد من الوقت والدم والأحقاد والضغائن، فاعتبر يا سيدي أن من ماتوا كانوا ضحايا للزلزال الذي جاء ورحل بستر ربنا من غير ضحايا، بل إن محاولتنا تلك ستكون أفضل من أي زلزال لأننا لم نخسر فيها سوى الناس، وفي هذه البلاد ليس لدينا أكثر ولا أرخص من الناس.
كل سنة وانت طيب.