جريمة الدعم المقدس - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 4:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جريمة الدعم المقدس

نشر فى : الثلاثاء 15 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 15 يناير 2013 - 8:00 ص

منذ أن وعيت على هذا العالم، وأنا أسمع عبارة «الدعم لا يصل إلى مستحقيه»، إنها عبارة خالدة ولدت وعاشت معززة مكرمة على أرض مصر، منذ أن انطلق نظام دعم بعض السلع الأساسية لمحدودى الدخل فى زمن عبدالناصر (بالمناسبة اليوم ذكرى ميلاده)،  واستمرت العبارة راسخة شامخة فى كل العصور التى تلت زمن ميلادها، السادات حاول مداعبتها فهاجت عليه الدنيا فالتزم بالدعم لمستحقيه وغير مستحقيه، ومبارك جعلها شعارًا لنظامه (تعلم من درس سلفه) وظل يرفض أى حلول تواجه النص المقدس «الدعم لا يصل إلى مستحقيه» بنص أكثر قداسة «لا مساس بالدعم»، حتى وصلنا إلى نظام جديد لا يحتاج لأى جهد للإيمان بفكرة المقدسات فى الدعم، فزاد الدعم وانتعش «غير مستحقيه» الذين اعتقدوا ــ لبعض الوقت ــ إن الثورة ستقضى على ما كانوا يكسبون، لكن الله سلم، وأثبتت لهم «الثورة» بقيادة النظام الجديد حسن نواياها وعظيم عطاياها، ولم تدع أحدًا يشك فى كرمها.

 

وعبارة «الدعم لا يصل إلى مستحقيه» تكشف بجلاء عن فشل الأنظمة والحكومات المتعاقبة، فى القيام بمهماتهم وواجباتهم،  بتوصيل الدعم إلى مستحقيه، ولم يلتفت أى نظام أو قائد أو زعيم أو رئيس، إلى أن ترديد هذه المقولة، هو إعلان رسمى عن فشله فى الحكم، وتعثر إرادته، أمام بعض الصغار من التجار والموظفين، الذين يلتهمون عشرات المليارات سنويًا من موازنة الدولة، فى حراسة «لا مساس بالدعم»، اللهم إلا إذا كان هؤلاء الصغار من التجار والموظفين، شركاء أو وكلاء لأصحاب النص المقدس «لا مساس بالدعم».

 

 المشكلة الكبرى، أن الجميع يعتقد، أن هذا الدعم هو دعم للفقراء من شعبنا، الذين يزدادون فقرًا وعددًا يومًا بعد يوم، وأن هذه المليارات هى تنازل من السادة الأثرياء لأشقائهم الفقراء، وهنا علينا جميعًا أن نصمت ولا نعترض على حقوق الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم إلا بهذا الدعم، فويل للذين يعترضون، وهنا ــ أيضًا ــ اكتشفنا أن هذا الدعم هو دعم للكبار، ودعوة للثراء على حساب الفقراء، عن طريق الحصول على المقررات التموينية (غذائية وبترولية، وأحيانا دولارية لأن الدولة كانت تدعم الدولار) بأسعارها المدعومة، وإعادة بيعها، تحت نظر وبصر وسلطة الدولة، بأسعار تقترب من أسعارها الحقيقية، فتتحقق الأرباح الخيالية لقلة قليلة على حساب شعب كبير فقير.

 

ولا أعتقد أن أى مسئول قادر على نفى ما أقول، أو حتى يعترض إلى ما ذهبت إليه، لأنه سبق واعترف بأن «الدعم لا يصل إلى مستحقيه»، وبالتالى يصل ــ بالضرورة ــ لمن لا يستحق ليتم إهدار المال العام علانية وصراحة فى مشهد فاضح على مسمع ومرأى، بل وموافقة، الجميع.

 

إن وظيفة الدولة، إذا ما قررت، دعم البعض من أبناء شعبها، أن تحافظ على هذا الدعم لمن يستحقه، وإذا لم تفعل، فهى شريكة فى سرقة كبرى، طبعًا يمكن أن تتسرب نسبة ضئيلة إلى من لا يستحق، غالبًا لا تتعدى الهوامش المئوية المتعارف عليها دوليًا،  ثم.. إذا سلمنا بأن هذا كان يحدث فى أزمنة فاسدة، فما الذى يمنع الأنظمة الثورية الربانية من وصول الدعم إلى مستحقيه؟.

 

اعلموا أن الله سيحاسبكم، على إثراء الأغنياء على حساب الجوعى، قبل أن تحاسبكم القوانين، ولا تقولوا لنا، إن هذا نتاج العهد البائد.. فلم يعد مسموحًا بمثل هذه الأعذار الكريهة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات