جمهورية فايمار أم الثامن عشر من برومير؟ - خالد فهمي - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 11:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمهورية فايمار أم الثامن عشر من برومير؟

نشر فى : الجمعة 15 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 مارس 2013 - 8:00 ص

فى أغسطس الماضى كتب وائل عباس، صاحب مدونة «الوعى المصرى» الشهيرة، مقالا مهما فى جريدة البديل رصد فيه ظهور الميليشيات المسلحة، من إخوانية لألتراس لبلطجية لغيرها، وقال ما معناه إن هذه الميليشيات ما هى إلا الجزء الطافى من جبل الجليد، وإن ما خفى يدل على وجود اتجاه «فاشى» فى الدولة والمجتمع المصريين، وإننا ننحو لحالة ينتشر فيها العنف، وينهار فيها الاقتصاد، وتتأزم فيها العملية السياسية، وهو الأمر الذى يذكرنا بوضع ألمانيا فى أخريات أيام جمهورية فايمار فى العشرينات من القرن التاسع عشر عشية وصول النازيين للحكم.

 

•••

 

ويجب أن أقول إننى وجدت مقالة وائل عباس جديرة بالتأمل والتفكير، فقد طرح فيها العديد من الأسئلة المهمة وحثنا فيها، ضمنا، على عقد المقارنة بين النازيين والإخوان. وكنت قبل قراءتها قد انتهيت من قراءة كتاب ريتشارد إيفانس الرائع عن الرايخ الثالث، وهو كتاب من ثلاثة أجزاء يبلغ مجموع صفحاته أكثر من ألف صفحة، يجمع فيه المؤلف، وهو بريطانى يدرس بجامعة كيمبريدج، نتاج أكثر من ثلاثين سنة من البحث والدراسة والتأليف عن التاريخ الحديث لألمانيا. وكنت قد قرأت الأجزاء الثلاثة بالعكس، فبدأت بالجزء الثالث الذى يتناول فترة الحرب العالمية الثانية، ثم انتبهت إلى أن هذا الكتاب ما هو إلا جزءا يسبقه جزءان آخران، فتحولت للجزء الثانى الذى يتناول الثلاثينيات أى فترة وجود النازيين فى الحكم، ثم انتهيت بالجزء الأول الذى يتناول الثلاثين سنة ونيف التى سبقت وصول النازيين للحكم. وأظن أن هذه القراءة غير التقليدية زادت من إعجابى بالكتاب بل من ولعى به، إذ إننى استطعت أن أثمّن أكثر الجهد المبذول فى شرح إرهاصات وصول النازيين للحكم بعد أن وقفت على الأهوال والفظائع التى ارتكبوها، والتى كنت قد قرأت عنها فى الجزأين الثالث والثانى. كما أظن أن هذه القراءة «المعكوسة» لثلاثية إيفانس الرائعة هى التى نبهتنى لأهمية ما قاله وائل عباس فى مقالته.

 

•••

 

لم يكن وائل عباس الوحيد فى الصيف الماضى الذى عقد مقارنة بين الإخوان والنازيين، فالكثير من الصحفيين والمحللين الغربيين قد سبقوه فى ذلك، وتساءلوا تحديدا عن عمق إيمان الإخوان بالعملية الديمقراطية وعبروا عن تخوفهم من أن يكون الإخوان، شأنهم شأن النازيين، يقبلون على الديمقراطية فقط ليصلوا للحكم، ولكنهم سينقلبون عليها وسيعملون جاهدين على تعليق أية انتخابات مقبلة خوفا من خسارتها بعد أن يفضحهم سجلهم فى الحكم وبعد أن يفقدوا الكثير من شعبيتهم فى الشارع.

 

ويجب أن أعترف أننى وأن كنت أجد هذه المقارنة بين الإخوان والنازيين مفيدة، فإننى لا أراها دقيقة. فالنازيون عندما وصلوا للحكم لم يكن قد مر على تأسيس حركتهم إلا عقد من الزمان، أما الإخوان فتنظيم قديم يعود لأكثر من ثمانين عاما. كما أن النازيين كانت لديهم ورقة مهمة رابحة وهى المتمثلة فى وجود زعيم كاريزمى بإمكانه إبهار الملايين بخطبه الرنانة وتسجيدهم بكلامه الأجوف، أما الإخوان فلا توجد لدى قياداتهم أى شخصية تضاهى شخصية هتلر فى قدرتها على إلهام الناس أو تحريك مشاعرهم، سلبا أو إيجابا. فارق ثالث يتمثل فى أن النازيين كانوا بالفعل أكثر الفصائل السياسية الألمانية تطرفا، لا ينازعهم فى ذلك أى فصيل آخر، أما الإخوان فقد فوجئوا بعد وصولهم للحكم بأن هناك من يزايد عليهم فى برنامجهم الأخلاقى والوعظى، وأعنى بذلك السلفيين، ومن يشكك فى يمينيتهم السياسية، أى الجماعة الإسلامية. أما أهم فارق فهو أن الإخوان اليوم، عكس النازيين بُعيد وصولهم للحكم، لا يبدو أنهم يسعون لمنع أية انتخابات مقبلة، بل إن خصومهم الليبراليين هم من يطالبون بتأجيل الانتخابات، أما الإخوان فيبدون متمسكين بصناديق الانتخاب، مختزلين الديمقراطية ومبادئها فى عملية الاقتراع، وهو ما عبر عنه عمرو عزت أخيرا فى مقالة عبقرية بمصطلح «الصندوقراطية».

 

•••

 

ولكن وعلى رغم أهمية هذه الاختلافات بين الإخوان والنازيين فإن أهم نقطة جديرة بالمقارنة هى علاقة كل من الحركتين بالعنف المسلح والمنظم، وهى النقطة التى يحثنا وائل عباس على التفكير فيها. فالنازيون كانوا على دراية بأهمية تأسيس ميليشياتهم والاعتماد عليها لإرهاب خصومهم. كما كانوا مدركين لامتعاض الشرطة، ضباطا وجنودا، من ديمقراطية جمهورية فايمار، وسعوا لاستمالة الشرطة إليهم حتى قبل وصولهم للحكم، كما نجح جورينج أثناء توليه وزارة داخلية بروسيا بعد انتخابات 1933 فى تطهير القطاع الأمنى من المناوئين للنازيين وتطويع هذا الجهاز الجبار للتربص بأعدائهم. نفس الشىء ينطبق على الجيش، فقد استطاع النازيون من اختراق الجيش وجذبه إليهم حتى قبل وصولهم للحكم.

 

هنا يكمن أهم فرق بين حالة النازيين عام 1933 وحالة الإخوان الآن، فالأولون كانوا قد تمكنوا بالفعل حتى قبل وصولهم للحكم من إحكام سيطرتهم على أدوات العنف ومؤسساته فى الدولة، أما الإخوان فتكمن معضلتهم الأساسية فى عدم قدرتهم التحكم فى الشرطة أو الجيش. فإذا أضفنا إلى هاتين المؤسستين المحورتين افتقاد الإخوان أيضا للسيطرة على القضاء والإعلام لاتضح لنا مقدار الهوة التى تفصلهم عن النازيين بعد الوصول للحكم. صحيح أن النازيين لم يتمكنوا من إحكام سيطرتهم على المفاصل المدنية للدولة الألمانية بين عشية وضحاها، إلا أن المقاومة التى يواجهها الإخوان فى هذا المضمار أشد بكثير من تلك التى واجهها النازيون، وتوضح فارقا مهما بين تاريخ الحركتين.

 

•••

 

على أن أهم فرق على الإطلاق بين لحظة وصول النازيين للحكم ولحظة وصول الإخوان له هو أن انتخابات عام 1933 التى أوصلت هتلر للمستشارية كانت نتيجة تردٍ غير مسبوق للاقتصاد، أما انتخابات 2012 التى أوصلت مرسى للاتحادية فكانت نتيجة ثورة شعبية. هتلر كانت لديه الملكات الخطابية التى مكنته من اللعب على وضع ألمانيا الاقتصادى الحرج لكى يدغدغ القاسم الأدنى المشترك فى الشعب الألمانى: العنصرية، الإحساس بالتفوق، والتصميم على الانتقام ممن «طعنونا فى الخلف». أما محمد مرسى وخيرت الشاطر ومحمد بديع فلا توجد لدى أى منهم ملكات يمكن أن تحرك لا القاسم الأدنى ولا الأعلى للمصريين. فوجودهم على قمة الهرم السياسى الآن لا يعود لملكات خطابية أو رؤى مستقبلية أو برامج نهضوية، بل يعود أساسا لانفراج المشهد السياسى نتيجة ثورة يناير بعد عقود طويلة من الانغلاق والكبت والقهر عانى خلالها الإخوان، أكثر من غيرهم، من البطش والتعذيب. وعوضا عن الامتنان للثورة وتقدير دورها فى إيصالهم للحكم، وعوضا عن البدء فى تنفيذ أهم مطالبها وهو تفكيك آلة التعذيب المتمثلة فى الداخلية نراهم الآن يتوددون للجيش، ويتقاعسون عن إصلاح الداخلية، ويعصفون بمؤسسة القضاء، ويحاصرون الإعلام بميليشياتهم، وهم فى كل ذلك يسيئون قراءة المشهد السياسى بشكل كارثى، فالثورة لم تقم لاستبدال الحزب الوطنى بالإخوان، ولا يمكن أن تختزل فى الصندوقراطية، بل قامت لتغيير قواعد اللعبة كلها وليس تغيير اللاعبين فقط.

 

•••

 

أنا أعلم يقينا أن عقد مقارنة بين الإخوان والنازيين لن يعجب الكثيرين وستتحرك كتائب الإخوان الإلكترونية لدحض هذه المقارنة ورفضها. وكوائل عباس أتمنى من صميم قلبى أن أكون مخطئا. على أن خوفى من صحة هذه المقارنة لا يفوقه سوى خوفى من أن تكون المقارنة الأصوب ليست تلك التى تعقد بين الإخوان والنازيين عام 1933 ولكن بين حالنا اليوم وحال فرنسا عشية الثامن عشر من برومير.

خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية
التعليقات