الجيش لن يحكم.. لكنه سيبقى وصيا على الدولة ومرجعية لأدائها إلى حين.
الجيش لن ينقلب.. لن يسمح للفاشلين فى المعارضة باستخدامه سياسيا.. لكنه سيتقدم شاء أم أبى ليحمى الدولة من فشل السلطة.
فشل السلطة يعنى انهيار الدولة، هذا خط أحمر، وفشل السلطة والمعارضة يعنى انهيار تجربة التحول الديمقراطى.
الرسائل المتناقضة لكلمة الفريق السيسى، بقدر ما ألجمت أحلام المعارضة فى الاعتماد على قوة المؤسسة العسكرية، رسخت وضع الجيش كوصى على الدولة، كحامٍ للشرعية القانونية والدستورية، والشرعية الشعبية إن هى تحركت، وضامن لعملية التحول الديمقراطى، الانتخابات بتأمينها وضماناتها صارت مهمة من مهام الجيش، والسلطة جماعة وحزبا ولجانا إلكترونية رحبت بوصاية الجيش طالما تضمن بقاء كل منهم فى موقعه.
ألف خطاب للفريق السيسى لن يخرج الجيش من أذهان ملايين المصريين، لكنه سيبقى البديل الجاهز والمتاح والملاذ دائما.
لماذا: هل لأن المصريين غير ديمقراطيين ويفضلون حكم العسكر على الحكم المدنى الذى طالما ناضل من أجله أجيال وراء أجيال.
قطعا لا، لكن المصريين يكرهون الفشل، وما نحن فيه هو فشل من جميع الأطراف، وحين يجد المواطن السلطة مرتبكة وعاجزة وفاشلة، تسوء أوضاعه فى ظلها، وتنهار أحلامه، والوعود التى جاءت بها هذه السلطة تتبخر، ولا يجد فارقا كبيرا بينها وبين تلك التى ثار عليها، يبدأ فى البحث عن بديل، وعندما يكون البديل الديمقراطى ممثلا فى المعارضة غير جاهز، يعانى من ذات الارتباكات ويسقط فى ذات الدوامة من الفشل، تغيب عنه هو الآخر الرؤية الشاملة أو المشروع الجدى البعيد عن الشعارات والوعود والأمنيات الطيبة والنوايا الحسنة، يصبح الجيش بديلا حتميا ومبررا.
فشل التحول الديمقراطى إن كانت مسئوليته تقع على عاتق السلطة بممارساتها الانفرادية، ومحاولاتها تكريس ديكتاتورية جديدة، واختراق قواعد الديمقراطية بمفهومها الشامل كحكم للأغلبية واحترام لحقوق الأقلية، وصداماتها مع القضاء والدستور، وتقديمها الأجندات الخاصة على الأجندة الوطنية، فإن مسئولية لا تقل حجما ولا خطورة تقع على عاتق المعارضة بجميع أطيافها، لأن فشلها فى صوغ بديل حقيقى يقدم للمواطن رسالة طمأنة حقيقية أن هناك من يملك رؤية بديلة تمكنه من معالجة فشل السلطة، وتضميد جراح ممارساتها المرتبكة.
لكن هذا الفشل المزدوج للسلطة والمعارضة سيؤدى إلى أن تستمر السلطة الفاشلة تمارس إدارتها القاصرة لشئون البلد، فتتحول إلى ديكتاتورية فاشلة وحنجورية وضعيفة الإنجاز فى غياب بديل مدنى ناضج، وفى النهاية طال الوقت أو قصر سيعود الجيش حتى لو كره العودة.
رسالة السيسى ليست أكثر من منح «فرصة» للمسار الديمقراطى، مجرد فرصة، وحتى يجتاز المجتمع هذا الاختبار مطلوب أن يكون هدف جميع الأطراف هو إنجاح التحول الديمقراطى، وهى مسألة لها شروط وكتالوج واضح تتطلب نضجا من الجميع يكسر حالة المراهقة التى لا يمكن استثناء أحد منها، وتحتاج أولا رئيسا لكل المصريين يدرك حقيقة مهمته الأولى فى توحيد المجتمع لا تشتيته، لم شمله لا تفريق قواه، تضميد جراحه لا تعميقها، وقوى سياسية تدرك أنها فى مركب واحد، وأن البدائل حق للمواطن، حتى لو كانت سلطته راشدة، وإلا فالبديل محتوم وسيأتى رضى بذلك السيسى أو كره.