مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 7 نوفمبر 2024 1:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية

نشر فى : الإثنين 15 أكتوبر 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 أكتوبر 2012 - 9:05 ص

القاعدة فى النظام الدولى، بحالته الراهنة كما كان فى كل حالاته خلال القرن العشرين، هى أن الرئيس الأمريكى يجب أن يكون قويا بصلاحيات فعلية قوية وحقيقية. كثيرون يرفضون التسليم بهذه القاعدة، ولكن أغلب هؤلاء مستعدون لمناقشتها والقبول بها إن استدعى الأمر وتطلبت الظروف، رغم اصرارهم على رفضها كمبدأ دائم وقاعدة ثابتة.

 

●●●

 

الدول فى علاقتها بالولايات المتحدة، أنواع. هناك الدول الحليفة، سواء المتحالفة تعاقديا كأعضاء الحلف الأطلسى، أو المتحالفة باتفاقات ثنائية استراتيجية أو بالرضا المتبادل. هذه الدول الحليفة لا يتصور أحد أنها يمكن أن تفضل رئيسا لأمريكا لا يكون قويا وبصلاحيات كبيرة، فبمثل هذا الرئيس تطمئن إلى تنفيذ الولايات المتحدة تعهداتها التى نصت عليها الاتفاقيات متعددة الاطراف والثنائية، وتتأكد من أنه سيحافظ إلى حد مقبول على الاستقرار الدولى، وأنه سيقف حاميا لحقوقها تجاه الاطراف الدولية الأخرى، وحريصا على مراعاة مصالحها فى الولايات المتحدة.

 

هناك أيضا على الطرف الآخر دول كبيرة أو متوسطة القوة تتبادل مع الولايات المتحدة علاقات متوترة. بعض هذه الدول لا تخفى خصومة، وبعضها تعيش فيها شعوب تحمل لأمريكا كرها، أو هى غاضبة منها لسبب أو آخر. بعض حكام هذه الدول قد يتمنى أن تكون أمريكا أقل قوة مما هى عليه أو على الأقل أقل ممارسة لقوتها، ولكنهم بالتأكيد لا يتمنون أن يستيقظوا ذات يوم ليجدوا العالم وقد خلا من أمريكا أو ليجدوا أمريكا فى وضع الانهيار والتفكك، وبالتالى، يريدون أن يكون على قمة النظام السياسى الأمريكى رئيس قوى له صلاحيات كبيرة تسمح له بأن يمنع تدهور علاقاتها الخارجية ويردع القوى ذات الطبيعة العدوانية من تمرير سياساتها وقراراتها. أكثر هذه الدول يدرك جيدا أنه فى مصلحته أن تكون أمريكا دولة قوية برئيس قوى، لتضمن الاستقرار فى منظومة التفاعلات الدولية خلال الأجل المنظور.

 

النوع الثالث. وهو تلك الدول الضعيفة والصغيرة التى تخشى دائما من اعتداءات دول إقليمية أقدر منها على عقد تحالفات أو أقوى منها أو تتميز بتمرسها فى إثارة الاضطرابات الإقليمية. هذه الدول الضعيفة تحتاج إلى أن يكون فى البيت الأبيض شخص قوى، فتأمن على نفسها وتطمئن إلى أن أمريكا ستحمى الاستقرار فى الإقليم وترد قوى العنف.

 

فى أمريكا ذاتها يستخدمون هذا المنطق، منطق ضرورة أن يكون فى أمريكا رئيس قوى. يروجون لفكرة تدعو إلى أن يكون للرئيس ميزات نسبية كبيرة تتفوق على ميزات الكونجرس والرأى العام، ويدعون إلى أن يحتفظ الرئيس بقوة وصلاحيات كبيرة، وبخاصة فى مجال صنع السياسة الخارجية الأمريكية. كثيرون فى الداخل كما فى الخارج يتمنون لو أن الناس صدقت واقتنعت بأن الرئيس الأمريكى يتمتع بصلاحيات فائقة. ففى الخارج مثلا تعود مسئولون كبار فى دول عديدة على تحميل الرئيس الأمريكى مسئولية كل ما يصدر عن أمريكا تجاه شعوبهم ومصالحها. لا يصدقون أن فى أمريكا قيودا على حرية الرئيس فى اتخاذ القرار وصنع السياسة وأنه ليس مطلق الصلاحيات. سهل جدا وأقل تكلفة سياسية، أن يحمل مسئولون أجانب الرئيس الأمريكى أمام شعوبهم مسئولية خطأ أو تجاوز أمريكى من أن يصرحوا بأن المسئولية تقع على موظفين أو أجهزة أقل شأنا فى الولايات المتحدة. يعتقد بعض هؤلاء أن تحميل الرئيس الأمريكى مسئولية الاخطاء الادارية والسياسية والاستخباراتية الامريكية تدفعه للتدخل لحل المشكلات المترتبة على هذه الأعمال. وفى الداخل يوجد فى الادارة مسئولون وحزبيون يريدون رئيسا فائق القوة والصلاحيات إلى الدرجة التى تسمح لهم بأداء مسئولياتهم بكفاءة وبدون قيود من قوى أخرى وبخاصة من جانب جماعات الضغط. نعرف أن معظم القيود على حرية الرئيس فى صنع وتنفيذ السياسة الداخلية تتركز فى ثلاث مؤسسات هى الكونجرس والمحكمة العليا والبنك المركزى.

 

وفى قطاع السياسة الخارجية توجد أيضا على الأقل ثلاثة قيود تحد من حرية الرئيس الأمريكى فى تسيير هذا القطاع، أولها الرأى العام الأمريكى، فبالقدر الذى نعرفه عن قدرة الرئيس الامريكى أكثر من أى مسئول أمريكى آخر على اقناع الرأى العام بسياسة خارجية معينة أو بقرار يتعلق بالحرب والسلم، نعرف أيضا أنه لا يستطيع أن يضمن نجاح سياسة أو قرار إذا لم يكن هناك تأييد كاف من الرأى العام لهما، والأمثلة عديدة.

 

 القيد الثانى على حرية الرئيس الأمريكى فى صنع وتنفيذ قرارات السياسة الخارجية هو تدخل الكونجرس، وبخاصة إذا كانت الأغلبية فى الكونجرس، فى كلا المجلسين، أو أحدهما، تنتمى للحزب الآخر، كما هو الحال حاليا، فالجمهوريون فى الكونجرس الحالى هم الأغلبية، وهم الذين قرروا مثلا وقف أحد أقساط المعونة الأمريكية عن حكومة الاخوان فى مصر.

 

  القيد الثالث وهو قيد لا ينتبه إليه الكثيرون من الدبلوماسيين رغم أهميته الفائقة، وهو ما يعرف بطبيعة الحقائق الجيوبوليتكية على الأرض، ولعل النموذج السورى الراهن أفضل ما يشرح خطورة هذا القيد. إذ أنه مهما كانت خطط الرئيس أوباما وحكومته بالنسبة للثورة السورية، فالأمر المؤثر حقيقة فى تردد الرئيس هو خطورة وحساسية الحقائق فى الإقليم وعلى الارض.

 

●●●

 

يسأل، الكثيرون إن كانت الفجوة واسعة بين رؤيتى أوباما ورومنى لمستقبل السياسة الخارجية الأمريكية.؟ وهل لنا، باعتبارنا المستهلكين لهذه السياسات أن ننتظر خيرا أم نتوقع شرا بعد أن جربنا لسنوات أربع سياسات أوباما، واستمعنا إلى نوايا المرشح الآخر، ميت رومنى ونسمع المزيد عنها خلال الساعات القادمة؟.

 

تعلمنا من التجارب السابقة مع عديد الرؤساء الذين توالوا على البيت الأبيض، إن السياسة الخارجية الأمريكية تتغير، إذا تغيرت، ببطء شديد، وذلك لأسباب واضحة. أهم هذه الأسباب أنه وجد فى أمريكا ما يشبه الاجماع بين قيادات قوى النخبة السياسية الحاكمة على الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأمريكية. هذه القيادات تتوارث الخطوط العامة وتتدرب عليها وتتقنها من خلال مؤسسات تعليمية واعلامية تكاد تكون مخصصة لتخريج دفعات من أبناء وبنات هذه الطبقة. ومن الاسباب أيضا حقيقة أن النظام السياسى الأمريكى معروف بالاستقرار وندرة التقلبات السياسية والاجتماعية، الأمر الذى يجعل الثبات سمة السياسة الخارجية بشكل عام.

 

ولكن يبقى أن هناك فى حقل السياسة الخارجية ما يخرج عن طبيعة وإرادة المجتمع. فما يحدث على أرض الواقع فى الخارج لا تملك إزاءه واشنطن الكثير، وبالتالى يمكن لحدث خارجى خطير أن يفرض التغيير على السياسة الخارجية الأمريكية، بشكل مؤقت أو أحيانا بصفة دائمة. من هذه الحقائق على أرض الخارج ظهور النازية فى أوروبا وتهديدها توازن القوى فى القارة الأوروبية وخطورة هذا التهديد على نصف الكرة الغربى. كذلك يميل بعض علماء السياسة الأمريكيين إلى اعتبار حادث تفجير برجى التجارة فى نيويورك بمثابة الحدث الخارجى الكبير الذى استطاع تغيير سياسة الخارجية التى جاء بها الرئيس بوش إلى الحكم. كان بوش يعتقد أن أمريكا لا يجوز أن تتدخل فى عمليات بناء الأمم فى الخارج، أى فى التدخل العسكرى والسياسى الدائم والشامل فى شئون الدول الأخرى، ولكنه بعد أحداث نيويورك انغمس وبعمق فى سياسات التدخل، ولم يفلح من جاءوا بعده فى التخلص من هذا الإرث، ومنهم أوباما نفسه. يحدث هذا رغم أن أوباما كان يعتقد أنه من الأفضل لأمريكا، أن تترك القوى الإقليمية تتوازن بدون تدخل أمريكى، وهو ما يسمى بالتوازن السلبى. هذا ما يبدو أن أوباما حاول فعله فى الشرق الأوسط، حين ترك إسرائيل تحقق بقوتها «الذاتية» تفوقها وهيمنتها على توازن القوة الإقليمى، حتى أنه مازال يرفض مؤازرتها من الخارج فى استكمال هيمنتها بحرب ضد إيران. وهو أيضا ما يحاول إلى حد كبير فعله فى الأزمة السورية رافضا أن يتدخل لحسم أمر التدخل التركى والأجنبى بشكل عام، ويفعله برفضه التدخل لحسم صراعات الصين مع اليابان وفى بحر الصين الجنوبى تاركا ميزان القوة الأسيوى يتوازن بدون تدخل أمريكى حاسم فى الوقت الراهن على الأقل.

 

●●●

 

على الجانب الآخر، يقف ميت رومنى بخلفية عن السياسة الخارجية، أقل ما يقال عنها أنها، غير ناضجة، وبخاصة أنه لم يعرف عنه مهارة فى ترويج أفكار أو التبشير بها فى مجتمعات أخرى. نعرف أنه عاش سنوات فى فرنسا يبشر للمذهب المورونى، ولم يجمع من المؤمنين الجدد آلافا معدودين. وليس جديدا على المتابعين لتطور السياسة الخارجية الأمريكية أن يكون طريقهم للتعرف على مرشح رئاسى جديد قليل الخبرة بالسياسة الخارجية تصريحاته «المتطرفة» خلال حملته الانتخابية من نوع أنه سيدعم على الفور التدخل العسكرى فى أزمة خارجية أو أخرى، أو يعلن حربا باردة جديدة ضد العدو رقم 1 لليمين الامريكى وهو، روسيا، سواء كان فى موسكو حكام شيوعيون أم رأسماليون، أو تصريحات تؤكد، ما هو مؤكد بالفعل، أنه سيدعم اسرائيل بلا قيود أو حدود أو شروط، أو أنه يعرف أن تنظيم القاعدة خرج بفضل سياسات اوباما المتهاونة أقوى وأشرس مما كان، وبالتالى فالحرب ضد الارهاب ستعود وستقودها أمريكا مرة أخرى.

 

الوعود الانتخابية شىء والتنفيذ شىء آخر ولن يكون ميت رومنى أول من وعد ثم ترك السياسة الخارجية الأمريكية تسير فى قنواتها المعتادة، لا تتغير إلا تحت ضغط تغيير جذرى فى الحقائق على أرض الخارج.

 

●●●

 

خرج بعض مراكز البحث فى الغرب، وفى أمريكا بخاصة، بتقارير متشائمة عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، تركز معظم هذه التقارير على خمس نقاط..

 

1 ــ فى الولاية الثانية لأوباما سنشهد نقصا فى الاتساق الاستراتيجى فى صنع السياسة تجاه الشرق الأوسط. ستكون سياسة رد الفعل أكثر منها سياسة مبادرة.

 

2 ــ فى حالة فوز رومنى ستتعزز مكانة اسرائيل فى العلاقة الاستراتيجية والأمنية، ولن يتحقق سلام إسرائيلى فلسطينى ولن تقوم دولة فلسطين.

 

3 ــ رومنى سيبنى سياسته على أن العرب لن يعارضوا دعمه لإسرائيل لأنهم فى مأزق الاختيار بين أمريكا وإيران، وفى مأزق الحاجة إلى تأمين النفط وعائداته.

 

4 ــ الاضطراب فى دول الربيع العربى سيستمر ويفرض نفسه على اهتمامات واشنطن، بمعنى آخر الحقائق على الارض قد تلعب دورا مهما.

 

5 ــ الحرب ضد الارهاب مستمرة وستتصاعد باستخدام طائرات بدون طيار.

 

خلاصة هذه التقارير وتحليلات الكثيرين من المفكرين العرب تصب فى النهاية، فى عبارة واحدة: لا تغيير يذكر فى مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية فى ولاية ثانية لأوباما أو ولاية جديدة لميت رومنى ما لم يحدث فى بلادنا وفى واقعنا تغيير جذرى كأن تستأنف الثورات العربية مسيراتها وتصحح ما انحرف.

 

 

 

 

 

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي