مفيش رجوع يا برادعى - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مفيش رجوع يا برادعى

نشر فى : الإثنين 16 يناير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 يناير 2012 - 9:15 ص

كان ظهور محمد البرادعى فى معترك السياسة المصرية أشبه بإلقاء حجر ضخم فى بركة آسنة، فتحركت مياهها وفارت وفاضت حتى كان طوفان 25 يناير العظيم الذى توسمنا فيه أن يطهر البركة العطنة من جيف الاستبداد والفساد.

 

وبالمثل يأتى قرار البرادعى بالخروج من مسرحية الانتخابات الرئاسية حجرا آخر أحدث دويا هائلا، وصنع نوعا من الصدمة لكثيرين.

 

وللوهلة الأولى صدمنى هذا القرار، غير أنه بقليل من التفكير تجد أن البرادعى تأخر بعض الشىء فى هذه الخطوة، ربما كان يعتقد مثل كثير من الحالمين أن ما نحن فيه ناتج فقط عن عدم كفاءة وخبرة فى الإدارة السياسية، وليس عن تعمد لإفساد الخارطة السياسية فى البلاد وإلقائها فى جحيم العشوائية المنظمة.

 

لقد أقدم البرادعى على هذه الخطوة ليعرى المشهد ويكشف عبثية ما يجرى، رافضا أن يكون مهرجا فى سيرك كبير اسمه المرحلة الانتقالية، مع ملاحظة أن الرجل طرح العديد من الرؤى والأفكار منذ البداية، كان من شأنها أن تعفى الجميع من هذا المأزق، لولا أن من بيدهم الأمور كانوا قد اتخذوا قرارا استراتيجيا بإقصائه وإبعاده، حتى يتسنى لهم ممارسة العك والإرباك كما يحلو لهم، وإدخال البلاد فى أتون «الصفقة» بدلا من أن تمضى الأمور وفق ما تقتضيه أبجديات التحول الثورى كما عرفته كل البلاد المتحضرة.

 

ويقينا فإن قرار البرادعى بنفض يديه من هذه المهزلة قد أصاب قطاعا هائلا من محبيه ومؤيدى أفكاره بنوع من الإحباط وخيبة الأمل، وهو ما يفرض عليه التقدم بحزمة تعويضات للذين أودعوا كل مدخراتهم من أحلام التغيير الحقيقى فى شخصه ومشروعه الفكرى والسياسى، بمعنى أن يكون ابتعاده عن معركة انتخابات الرئاسة اقترابا واشتباكا أكثر فى المعركة الأهم وهى استكمال هذه الثورة وإنقاذها من سيناريوهات التفكيك والبعثرة والإجهاض.

 

وقد استمع البرادعى إلى أفكار ومطالب من هذا النوع خلال لقائه بمجموعة من السياسيين والإعلاميين، منهم من كان يحلم قبل الثورة بمقعد فى قطار توريث جمال مبارك، وشارك بعدها فى حملة تصفية البرادعى سياسيا لصالح أصحاب توكيل المرحلة الانتقالية، ومنهم من يدرك قيمة البرادعى حقا، ويعلم أنه ضمير هذه الثورة ورمزها وداعيتها.

 

ويبقى أن تدقق جيدا فى دوائر الجدل الهائلة ــ محليا وعالميا ــ التى صنعها إطلاق البرادعى صرخته فى البرية لكشف الستار عن مسرح العبث الانتقالى، لتكتشف أنه الرقم الأصعب فى معادلة السياسة المصرية وسيبقى، ما يدحض تلك السفاسف التى يلوكها البعض حول أنه آثر الانسحاب لأنه أدرك أن فرصه قليلة فى السباق، ويدحض ذلك أيضا تلك المحاولات الرسمية المستميتة لإثنائه عن قراره بعدم المشاركة فى المهزلة.

 

لكن يبقى الأهم فى المشهد كله أن يصنع البرادعى وعاء سياسيا جديدا وفاعلا، حزبا كان أو تيارا، تلتئم فيه كل الأحلام والآمال فى مصر التى يستحقها شعبها الذى صنع ثورة أذهلت العالم.. باختصار عليه استحضار ذلك الهتاف الصاخب لحظة وصوله «شد القلوع ومفيش رجوع يا برادعى».

 

وائل قنديل كاتب صحفي