الحرب على غزة.. سيل مبادرات وجفاف انجازات - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحرب على غزة.. سيل مبادرات وجفاف انجازات

نشر فى : الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 7:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 7:41 م

منذ أن اتضحت أبعاد الحرب على غزة التي بدأت بعملية "طوفان الأقصى" الفلسطينية المفاجئة ضد الإسرائيليين في 7 أكتوبر 2023، وما نتج عنها من شرخ أمني عميق في إسرائيل وهزة عنيفة في الثقة بحكومتها وجيشها وأجهزتها الأمنية على كافة المستويات، وما أحدثته الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة من قتل وتشريد ونزوح وتجويع والموت جوعا أو مرضا لسكانه الفلسطينيين، حدثت تطورات عديدة على الساحتين الإقليمية والدولية، في حلقات دائرية ما تزال تسعى نحو مخرج من هذه الحرب التي تستهدف إبادة الشعب الفلسطيني وإنهاء قضيته العادلة على النحو الذي تريده إسرائيل مستندة إلى دعم مؤيديها حتى وإن أبدوا اختلافا كلاميا معها.

  أُطلق سيل من المبادرات من عدة أطراف للخروج من هذه الحرب وفقا لرؤية كل طرف؛ تحتاج المبادرات الإسرائيلية إلى استنتاج ما ترمي إليه سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، ومبادرات الأطراف الأخرى التي تسعى أحيانا إلى التوازن مع استرضاء إسرائيل، أو اعتبار أن وقف الحرب والحصار وإنفاذ المساعدات الإنسانية لسكان غزة مرحلة انتقالية نحو إعادة الإعمار وفتح الأفق لتسوية القضية الفلسطينية تسوية شاملة ودائمة وفقا للمرجعيات الدولية وعلى أساس حل الدولتين، وقد توالت هذه المبادرات تباعا على النحو التالي.

 •  •  •

 أولا: خطة نتنياهو لليوم التالي في غزة بعد حماس، وقد عرضها على مجلس الحرب الإسرائيلي في 22 فبراير 2024، وتهدف إلى إبادة القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس والجهاد الإسلامي، وإعادة الرهائن (الأسرى) الإسرائيليين، ومنع أن تكون غزة تهديدا أمنيا لإسرائيل في المستقبل، واحتفاظ إسرائيل بحقها في حرية عملياتها العسكرية في جميع أنحاء غزة دون تحديد فترة زمنية معينة، وإقامة حزام أمني على حدود غزة مع إسرائيل، وإقامة حاجز أمني بين غزة ومصر بالتعاون مع الولايات المتحدة ومصر قدر الإمكان. وتحقيق سيطرة أمنية من البحر المتوسط حتى نهر الأردن (أي غزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية)، وتصفية الإرهاب والتهديدات لإسرائيل وتحويل غزة لمنطقة منزوعة السلاح إلا ما يلزم لضبط النظام الشعبي، وتكون مسئولية النظام المدني من عناصر فلسطينية لا تنتمي لأي من منظمات مساندة للإرهاب أو تتقاضى رواتب منها، والعمل على حل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) واستبدالها بوكالات دولية أخرى، وأن يكون إعادة إعمار غزة من أطراف تقبلها إسرائيل، وتنفيذ خطة للتربية والتعليم تنبذ العنف والكراهية لدى الشعب الفلسطيني، ورفض الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية وأن يتم ذلك بالتفاوض المباشر.

 رُفضت الخطة فلسطينيا وعربيا، ولم تقبل دوليا حتى من أشد مؤيدي إسرائيل، واعتبرها بعض الوزراء والقيادات الإسرائيلية غير واقعية رغم إقرارها من أغلبية وزراء مجلس الحرب الإسرائيلي.

 •  •  •

 ثانيا: خطة الوزير الإسرائيلي إيزنكوت "اليوم التالي بعد حماس" وهي بمثابة حذف وإضافة لخطة نتنياهو، وإن احتوت على نفس الرؤية لكن بكلمات أقل وضوحا. وقد تضمنت، تفكيك حماس واستمرار عمليات الجيش الإسرائيلي لضرب قدراتها العسكرية وقدرتها على الحكم، وإبرام صفقة المخطوفين (الأسرى الإسرائيليين) ومنع تهديد إسرائيل على المدى الطويل. وإنشاء تحالف أمريكي-إسرائيلي-عربي، وتولي عناصر فلسطينية محلية مسئولية القضايا المدنية في قطاع غزة بمراقبة دولية وإقليمية وبالتنسيق مع إسرائيل. ومنع تقوية حماس في غزة والضفة الغربية، ووقف المواجهة مع حزب الله في لبنان، وتقوية العلاقات مع دول السلام (العربية) والتقدم في الاتفاقات مع السعودية ودول عربية وإسلامية. والاستعداد لمواجهة جميع التهديدات من إيران وبرنامجها النووي ونشاطها في المنطقة. والتوافق الأمريكي الإسرائيلي على كيان فلسطيني يعمل على وقف الإرهاب والتحريض ضد إسرائيل، في المناهج التعليمية الرسمية وغير الرسمية، ووقف المدفوعات للإرهابيين (دعم أسر الأسرى والشهداء الفلسطينيين). ومحافظة إسرائيل على عملياتها العسكرية ومسئوليتها الأمنية، وإقامة حزام أمني بين غزة وإسرائيل، وإغلاق الحدود مع مصر بالتعاون مع الولايات المتحدة ومصر لمنع التهريب من تحت الأرض وفوقها لمدى بعيد. وسيطرة إسرائيل أمنيا من البحر المتوسط إلى نهر الأردن برا وبحرا وجوا، لمنع تعاظم قوة عناصر الإرهاب والتخلص من التهديدات، ونزع سلاح السلطة المحلية في قطاع غزة بمراقبة أمريكية.

 ويتولى الشئون المدنية والاقتصادية في قطاع غزة عناصر فلسطينية تكنوقراطية تخضع لمراقبة القوى العربية الخمس (مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات العربية) والولايات المتحدة، والمجتمع الدولي. وطالما أن حماس تنظيم إرهابي لن تحصل الإدارة المدنية الفلسطينية على أي دعم منها، ولا تشارك في حكم غزة والضفة الغربية. وإصلاح التعليم في قطاع غزة والضفة الغربية بالاستعانة بخبرات الدول العربية الخمس. وتعمل إسرائيل على إغلاق الأونروا، ونقل مسئولية مدارسها بالتدريج إلى الجهة التي تدير غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ونقل خدماتها لجهات دولية أخرى. وتكون عملية إعادة الإعمار مشروطة بنزع سلاح قطاع غزة وفقا لمعايير تضعها إسرائيل والولايات المتحدة، وبمراقبة دولية وإقليمية مقبولة من إسرائيل. وتكون المساعدات لسكان قطاع غزة محدودة إلى أن يتم إطلاق سراح المخطوفين، وأن تقدم هذه المساعدات بالتنسيق مع إسرائيل. وتكون التسوية الفلسطينية الإسرائيلية من خلال المفاوضات المباشرة، وتنفذ بعد خمس سنوات لاختبار قدرة الفلسطينيين على إصلاحات شاملة في السلطة ونزع السلاح وإعادة إعمار غزة بمراقبة دولية. ولا تعطي إسرائيل أي التزام في السنوات الخمس القادمة بإقامة دولة فلسطينية.

 وقد وافق مجلس الحرب الإسرائيلي على الخطة ولكنها قوبلت خطة بفتور شديد يصل إلى حد التجاهل لعدم اختلافها عن خطة نتنياهو، وتحويل الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة والضفة الغربية إلى الخضوع التام للسيطرة الإسرائيلية.

 •  •  •

 ثالثا: تسريب معلومات عن تقديم اللجنة السداسية العربية لمتابعة الحرب على غزة والقضية الفلسطينية ورقة إلى وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في لقائهم معه في القاهرة، تضمنت عدة نقاط رئيسية بوقف القتال في  غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية دون عوائق، ومنع التهجير القسري للسكان ، ودعم السلطة الفلسطينية، والعمل على إعادة إعمار غزة، وفتح المجال لتحقيق حل الدولتين بقيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية. ولم تعرف تفاصيل الورقة ولا رد بلينكن عليها.

 •  •  •

 رابعا: مبادرة فرنسية غير مكتملة عرضها وزير الخارجية الفرنسي على عدة دول منها مصر أثناء زيارته القاهرة، ثم قدمتها في شكل مشروع قرار إلى مجلس الأمن، تضمن وقفا فوريا للقتال في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين (الأسرى)، وتوصيل المساعدات دون عوائق، واتخاذ إجراءات حاسمة لا رجعة فيها لإقامة دولة فلسطينية، والتنديد بأشد العبارات بحركة حماس وأنها منظمة إرهابية ارتكبت انتهاكات جنسية، والدعوة إلى تفعيل السلطة الفلسطينية تمهيدا لإعادة سيطرتها على قطاع غزة، واقتراح دور محتمل للأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار. وقد دخلت المبادرة مجلس الأمن ولم تخرج منه حتى الآن.

 •  •  •

 خامسا: قدمت السلطة الفلسطينية طلبا إلى مجلس الأمن في 8 أبريل 2024 لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. وتقرر أن يتم بحث الطلب في اجتماع لمجلس الأمن يوم 18 أبريل 2024. وسبق أن وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 138 دولة على قبول دولة فلسطين عضوا مراقبا في المنظمة الدولية عام 2012. وعلقت واشنطن على الطلب الفلسطيني الجديد بأن إقامة دولة فلسطينية يجب أن يتم بالتفاوض بين الأطراف المعنية وليس فى الأمم المتحدة، وهو ما يعني اعتراضا أمريكيا. أما مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة فقد علق بقوله "إن الدولة الفلسطينية تشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي، وأن منح فلسطين صفة الدولة يعد انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة، وينتهك مبدأ التوصل لحل دائم بالتفاوض المباشر". وقد نسي أو تناسى السفير الإسرائيلي أن إسرائيل قامت بقرار من الأمم المتحدة ولم تقبل عضوا فيها إلا بعد قبولها واعترافها بقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية، ودولة فلسطينية.

 •  •  •

 سادسا: نشر يوم 9 أبريل 2024 ما يمكن تسميته نداء أو مبادرة مصرية أردنية فرنسية أطلقها زعماء الدول الثلاث، وقد تضمنت إنهاء الحرب والعنف والإرهاب لأنها لا تحقق السلام الذي يتحقق بحل الدولتين، ووجوب تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن وقف القتال وإدخال المساعدات إلى غزة، والإفراج عن جميع الرهائن (الأسرى) والمحتجزين، والتحذير من الهجوم الإسرائيلي على رفح الذي قد يؤدي إلى التهجير القسري الجماعي لسكان  غزة، والتزام كل الأطراف باحترام القانون الإنساني الدولي ووقف جميع أعمال العنف والإرهاب والهجمات العشوائية على السكان المدنيين، والتنويه بأهمية دور الأونروا والوكالات الدولية، وإدانة قتل العاملين في مجال المساعدات الإنسانية، والتزام إسرائيل بضمان وصول المساعدات بكميات كافية لسكان غزة، وضرورة استعادة الأمل في تحقيق السلام للجميع، وتجنب التداعيات الإقليمية، ووضع حد للتدابير الأحادية بما فيها النشاط الاستيطاني الإسرائيلي ومصادرة الأراضي، وحث إسرائيل على وقف عنف المستوطنين واحترام المقدسات الدينية للمسلمين والمسيحيين في القدس، وتكثيف الجهود المشتركة لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، واضطلاع الأمم المتحدة بدور مهم في إعادة فتح أفق السلام.

 •  •  •

 إن ما سبق عرضه عينة من عشرات المبادرات والمؤتمرات الإقليمية والدولية والقرارات والبيانات والجولات المكوكية لرؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية من العديد من الدول، دارت وتدور كلها حول الحرب على غزة وضرورة وقف القتال وإنفاذ المساعدات الإنسانية وانتهاكات إسرائيل لكافة القوانين الدولية والإنسانية. وما تزال الحرب مستمرة من قتل وتجويع وتدمير وتشريد لسكان غزة. ويعلن وزير الخارجية الأمريكي في 9 أبريل 2024 أن على حركة حماس إلقاء السلاح والاستسلام لإنهاء الحرب!!. ويؤكد رئيس وزراء إسرائيل أن إسرائيل ستجتاح رفح ولن يمنعها أحد من ذلك. والمبادرات والاجتماعات مستمرة، والانجازات جافة وشحيحة وحكومة إسرائيل تتحدى الجميع.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات