حلم الدولة الحديثة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 3:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلم الدولة الحديثة

نشر فى : الأربعاء 16 أكتوبر 2013 - 9:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 أكتوبر 2013 - 9:15 ص

من ليلة الحادى عشر من فبراير عام ٢٠١١، وفى ذات اللحظة التى أعلن فيها الرئيس الأسبق حسنى مبارك تخليه عن الحكم، علت الهتافات فى ميادين التحرير «الشعب يريد بناء نظام جديد»، ثم توالت شروحات الهتافات فى الأيام التالية، كان معظمها يتمحور حول الرغبة فى أن تكون مصر دولة حديثة وعصرية يجد فيها كل مواطن حقوقه الأساسية، ويشعر بالمساواة، وأنه ينتمى لدولة كبرى، لكن هذا الحلم، للأسف الشديد تهاوى مع الأيام الأخيرة فى نفس الشهر (فبراير ٢٠١١) فقد تراجع حلم الدولة الحديثة فى مقابل صعود دولة تتأهب لصراع هوياتى لم يكن مطروحا فى أيام الثورة الأولى، وقد فوجئت قبل أيام عندما قال لى أحد قياديى حزب النور، إن الخطأ بدأ منذ لحظة الحديث عن «غزوة الصناديق»، وإنهم رفضوا ذلك وطالبوا بالتوقف عن طرح مثل هذه الأفكار، لكن الرغبة كانت عارمة فى هذا الاتجاه فتبدد الكلام عن الأحلام، وفى مقدمة ذلك حلم الدولة الحديثة.

فى نهاية فبراير ٢٠١١، كان التفكير يسير فى اتجاه كيفية القضاء على نظام مبارك، ورجال الحزب الوطنى، وهى أمور تحققت بسرعة، على عكس ما يعتقد البعض، فقبل أن يرحل مبارك من قصر الرئاسة كان نظامه قد رحل بالفعل، لكن لم تكن هناك أفكار أو مشروعات لدولة حديثة، الجاهز كان صراع وهمى بين جماعات الإسلام السياسى وأنصار الدولة المدنية، وهو صراع مفتعل، وكلا الطرفين ساهم فى إذكاء هذا الصراع ليلتهم بسهولة أية محاولات للعودة لدفع مقومات الدولة الحديثة على أجندة التغيير، الذى ربحت فيه جماعات الإسلام السياسى، حتى أعلنت أنها خدعت أنصار الدولة المدنية ووضعوا فى الدستور كل ما يساند دولتهم الدينية، لينتقل الصراع الى منطقة أسخف، بين قوى مدنية تعترض على الدستور، وقوى إسلامية تحوط عليه باعتباره نصرا غير مسبوق، وجماعة تحاول أن تحكم تماما مثلما كان يحكم مبارك وحزبه الوطنى، فكان يجب أن تذهب الأمور إلى ما ذهبت إليه فى الأيام الاولى من شهر يوليو ٢٠١٣.

الآن، ونحن على بعد ثلاثة أشهر من مرور ثلاث سنوات على ثورة يناير، مازلت الدولة الحديثة بعيدة تماما عن التحقق، أو الطرح العام، فبينما كانت المهمة فقط فى فبراير ٢٠١١ القضاء على نظام مبارك والحزب الوطنى، صارت المهمة الآن القضاء على نظام الإخوان وتابعيهم ممن يروجون لأفكار الفاشية الدينية، إلى جانب التخوفات من عودة الاستبداد، ربما يكون كل ذلك مشروعا، أما غير المشروع صراحة، فهو التراجع عن الإصرار فى أخذ مصر صوب الحداثة والعصرنة، والإصرار على ضرورة التغيير الشامل الحقيقى، نحو ديمقراطية كاملة غير مجتزأة، ومن غير المقنع، تأجيل هذه المهام لحين الانتهاء من القضاء على أنظمة رجعية نرفضها، لأن القضاء الحقيقى على كل ما لا نرغب لن يتأتى إلا بحضور كامل لما نرغب، ساعتها لن ننشغل إلا بتدعيم قوائم الدولة المصرية الحديثة التى نحلم بها، أما الاستسلام لهذه النوعية من الصراعات فلن تمنحنا إلا مزيدا من التراجع والارتباك وسوء الحال الذى نحيا فيه منذ عقود طويلة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات