الحديث عن مشروعية ختان الإناث، ومحاولة إيجاد تبرير لهذه الممارسة البغيضة ليس له تفسير عندى سوى الرغبة فى إعاقة التغيير الفكرى فى المجتمع المصرى، الذى يحتاج إليه أكثر من أى وقت مضى.
منذ أيام نقلت بوابة الفجر فى 11 أكتوبر الحالى تصريحا للدكتور عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر حول ختان الإناث، أسس رأيه على أن الختان يجوز فى حالة ما إذا كان البظر كبيرا مما يستوجب تهذيبه حتى يخفض من الشهوة الزائدة للمرأة، ويحميها من الوقوع فى المعاصى على حد تعبيره. ونظرا لأن الشيخ الجليل ليس طبيبا مثلى تماما، فإنه بالعودة إلى أهل الاختصاص أنفسهم ذكروا أن هذا الحديث ليس له أية دلالة علمية. مصدر الشهوة بالنسبة للإنسان العقل، فضلا عن أنه ليس هناك تدخل جراحى معروف فى كتب الطب لتهذيب أحد مكونات جسم الإنسان بدعوى أنه أكبر من اللازم. هذا الرأى قديم قتل بحثا، وانتهى إلى عدم مصداقيته، ولعل هذا هو ما دفع الدولة ذاتها إلى تجريم ختان الإناث، ومعاقبة من يرتكبه. لم نسمع أن دولة فى العالم عاقبت طبيبا على تدخل جراحى يحتاج إليه المريض، ولكن تعاقبه إذا تدخل جراحيا على نحو يحدث عاهة للإنسان، وهو بالضبط ما يتسبب فيه ختان الإناث، وقد اعتبر القانون المصرى منذ عام 2008م ممارسة ختان الإناث «جنحة»، ثم اتجه نحو مزيد من التشديد على عدم ممارستها، واعتبرها جناية منذ عام 2016م.
الشيخ الجليل الذى ترأس لجنة الفتوى سابقا بالأزهر بالتأكيد يعرف، وقد لا يكون مقتنعا بذلك، بأن المؤسسات الدينية سبق أن حسمت مسألة ختان الإناث منذ سنوات بفتاوى واضحة من أن هذه الممارسة لا علاقة لها بالإسلام، بل أن هناك فتاوى صادرة عن دار الافتاء منذ عام 2007م تحرم ممارسة ختان الإناث، وانتهى البحث بشأنها إلى اعتبارها عادة إفريقية، لا تعرفها غالبية الدول الإسلامية بشكل عام فى الخليج والمشرق العربى والمغرب العربى، فقط نجدها فى مصر والسودان وغيرهما من الدول التى لها اتصال بعمق القارة الإفريقية.
وقد كان لمصر معركة فى هذا المجال استمرت سنوات، قادها المجلس القومى للطفولة والأمومة برئاسة السفيرة مشيرة خطاب، واستمرت الحملة عقب تعيينها وزيرة قبل عام 2011م، وكان لها صدى واسع فى المجتمع، وبعد أقل من عشرين عاما من هذه الحملة صدر تقرير مهم عن «اليونيسيف» فى عام 2016م يشير إلى أن مصر ضمن ثلاث دول (الدولتان الآخرتان هما كينيا وبوركينا فاسو) تناقص فيها ختان الإناث بصورة كبيرة فى الأجيال الجديدة.
نحن بحاجة إلى استعادة هذه الحملة التى يبدو أنها تعثرت، وعلمت أنها منذ مطلع العام الحالى متوقفة من خلال برنامج جديد يسعى لاجتثاث هذه الممارسة السيئة من البيئة المصرية، وهو ما يتفق مع ما تعلنه مصر من سعيها لتمكين المرأة، وتحقيق المساواة على أساس النوع.