عندما تعجز السياسة يتحرك الشارع
لم تكن الثورة التى قامت على أكتاف جيل ناهض من شباب ينتمى للمستقبل سوى دليل دامغ على فشل السياسة.
حاول نظام مبارك إجراء إصلاحات شكلية، وترويجها، وبقيت المعارضة تدور فى إطار مبادرات النظام، لا تقوى على انتزاع مكاسب، ولا تعرف تغيير أوضاع، وضع النظام قواعد اللعبة مع كل الأطراف، ورضيت هذه الأطراف بهذه القواعد، ولم تحاول أن تغادر ظل النظام ولا مساحات الحركة التى رسمها مبارك لمعارضيه.
فشلت السياسة فتحرك الشارع، خرجت المعارضة الحقيقية التى لم تترب فى كنف مبارك، ولم تقم علاقات تحتية مع أجهزة أمنه، فجرت الإنجاز الأعظم، حركت الجماهير الحاشدة للخروج تعبيرا عن الغضب، وتحدى سلطة الدولة وأسطورة هيبتها المبنية على عصا جندى الأمن المركزى.
لكن الثورة التى جلبها المستقبل الذى لم يترب فى أحضان مبارك وفى مجالسه النيابية وسجونه، استولى عليها الماضى من جديد، ذات الوجوه التى كانت تستأذن حبيب العادلى حين ترغب فى الخروج بمسيرة من بضعة أفراد، سيطرت على المشهد السياسى الذى أسقط العادلى، وتشكلت منها السلطة الجديدة والمعارضة الجديدة، لكن الاثنين سلطة ومعارضة ينتمون بامتياز لذات الماضى الذى ثار عليه الثوار.
قل إذا إن الثورة فشلت، وإذا كنت من المتفائلين فقل إنها متعثرة، لكنه فشل للسياسة بامتياز التى مازالت والمشتغلين فيها عاجزون عن إدارة مشروعها بعيدا عن الاستقطابات والصراعات والعناد المتبادل.
لماذا فشلت السياسة؟
لأن من يتصدرون مشهدها يديرون الأمور بذات منطق ممارساتهم خلال نظام مبارك، السلطة تتصرف بأدبيات مختلطة بين ما شاهدت مبارك يفعله من استعلاء وتجاهل وإنكار وإحالة إلى المؤامرات والتدخلات الخارجية، وخطاب «تنظيم محظور» يتصرف وكأنه مازال تحت الأرض، ومعارضة تتحرك بذات الأدوات وكأنها مازالت حبيسة جدران مقارها، وكأن أمن الدولة مازال يمنعها من النزول للشارع، تستخدم خطابات دعائية، ومواقف تتشبث بالأزمة ولا تشرع نافذة للخروج منها، تتحرك لتغيير الواقع دون أن تطرح رؤية لترتيبات ما بعد التغيير.
فشلت السياسة إذن، لكنك اختبرت عواقب فشلها قبل عامين وانسداد كل المنافذ التى كان من الممكن أن يخرج منها الأمل، فانتهيت إلى شارع غاضب يكبح قدر استطاعته أى جنوح نحو العنف محاولا الحفاظ على إطار من السلمية.
الآن أنت فى وضع مشابه.. ذات الفشل قائم وذات الانسداد القاتم حاصل، وذات العناد السلطوى، والشارع بلا مفاتيح، وإياك أن تصدق أن أحدا يملك ضبط فورانه بكلمة أو أمر أو قرار.
عندما ترى كرة اللهب تتمدد فى المحافظات فى إطار عنف متواصل ومتصاعد، تهديدات بالقتل وحوادث خطف، فيما السياسيون مازالوا عند ذات النقطة التى بدأت عندها الأزمة لم يغادروها لكنهم فقط يتبادلون اللوم، اعلم أنها نتيجة منطقية لفشل السياسة، والنتيجة هذه المرة أكثر عنفا وأقل سلمية، لأن الميدان الذى كان موحدا بالهدف، تحقق الهدف وحلت الكراهية بمعناها الكامل بين مكوناته.
غدا يدفع هذا الوطن أكثر، لأنه محكوم بالماضى فيما هو يحاول أن يتطلع للمستقبل