علام تعول الحكومة المصرية لإنقاذ الاقتصاد؟ - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الأربعاء 11 ديسمبر 2024 4:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علام تعول الحكومة المصرية لإنقاذ الاقتصاد؟

نشر فى : الجمعة 18 يوليه 2014 - 4:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 18 يوليه 2014 - 4:50 ص

أصدرت الحكومة المصرية حزمة من القرارات برفع أسعار المحروقات، وذلك بهدف تخفيض مبلغ الدعم الموجه للوقود فى الموازنة العامة للدولة، وطبقا للخطة الحكومية فالمستهدف فى السنة المالية الجارية هو تخفيض الدعم بمقدار ٤٠ــ إلى ٥٠ــ مليار جنيه مصرى، وقد ترتب على الإجراءات الأخيرة زيادات فى أسعار منتجات كالبنزين والديزل (السولار) والغاز الطبيعى بما يقارب الضعف على نحو أثار الكثير من التخوفات حول الآثار التضخمية لهذه القرارات خاصة وأن الديزل، ويستوعب حوالى نصف إجمالى دعم المحروقات، يدخل فى إنتاج وتوزيع أغلب السلع والخدمات، وبدأت الآثار التضخمية فى الظهور بالفعل فى تكلفة المواصلات، وعلى الرغم من أن ثمة اتفاقا واسعا بين خبراء المالية والاقتصاد على أن برنامج دعم الوقود فى مصر غير قابل للاستمرار على صورته خاصة مع تحول مصر إلى مستورد صاف للنفط منذ ٢٠٠٦، ومعاناة البلاد من أزمة طاقة كبرى فى السنوات القليلة الماضية، مع وصول فاتورة الدعم إلى حوالى ٢٠٪ من الإنفاق العام أو ما يوازى ٦٪ من الناتج المحلى الإجمالى إلا أن ثمة خلافا فى الرأى حول توقيت رفع الدعم والتكلفة الاقتصادية والاجتماعية التى قد تنجم عن هذا خاصة وأن الاقتصاد المصرى يعانى من انخفاض فى معدلات النمو منذ ثورة يناير ٢٠١١، وارتفاع فى البطالة وتراجع فى معدلات الاستثمار المحلى والأجنبى بما يضعه فى موضع قريب من حالة الركود الاقتصادى.

•••

ويذهب المعارضون لخطوات رفع الأسعار فى الوقت الحالى إلى أن رفع أسعار الوقود فى خضم حالة من الركود قد يدفع بالاقتصاد إلى الركود التضخمى الذى ترتفع فيه الأسعار مع ضعف معدلات النمو، ويرى هؤلاء أن الحكومة المصرية تتعامل مع قضية العجز فى الموازنة، ومن ثم الدعم، من منطلق اقتصادى كلاسيكى منشغل فحسب بالعجز الرقمى دونما نظر إلى أثر الطلب الحكومى العام على النمو الاقتصادى، ويحذر هؤلاء من أن الإجراءات التقشفية الجارى اتخاذها ستؤثر بالسلب على فرص التعافى الاقتصادى، وستعمق من الركود بما يتناقض تماما مع الخطط الاقتصادية التى تهدف الحكومة نفسها إلى اتباعها لرفع معدلات النمو والتشغيل، والتى ترتهن بها إلى حد كبير شرعية نظام المشير عبدالفتاح السيسى القائمة على وعود باستعادة الاستقرار واستئناف النمو الاقتصادى.

فعلام تعول الحكومة المصرية إذن لإنقاذ الاقتصاد المصرى بينما هى شارعة فى إجراءات تقشفية ذات أثر سلبى قد يجمع بين الركود والتضخم؟

•••

تقوم رؤية الفريق المالى فى مصر على الجمع بين نقيضين الأول هو إصلاح الخلل الهيكلى فى موازنة الدولة المصرية من خلال خفض الإنفاق خاصة فى بند الدعم مع زيادة الإيرادات الضريبية فى السنوات الخمس القادمة بما يخفض من العجز، ومن الدين العام، ومن ثم يخفف من الطلب الحكومى على موارد الجهاز المصرفى، وهو أمر إن تحقق سيكون له انعكاس إيجابى على مد الائتمان للقطاع الخاص من أجل تمويل استثمارات بعدما تحولت الحكومة المصرية فى العقد الأخير لأكبر مقترض من الجهاز المصرفى لتمويل العجز المتزايد، على نحو رفع من أسعار الفائدة، وخفض بشكل ملموس من فرص تمويل أنشطة القطاعات غير الحكومية. ويرى الفريق المالى أن هذه الإجراءات التقشفية الهادفة لإصلاح الخلل المالى سيجرى تعويضها من خلال تدفقات نقدية خليجية، قادمة من الإمارات والسعودية خاصة، فى صورة استثمارات ترفع من معدلات الطلب الكلى، وتزيد من ثم من التشغيل ومن معدلات النمو، وتكسر دورة الركود التى وقع فيها الاقتصاد المصرى منذ يناير ٢٠١١.

وقد تلقت مصر بالفعل ما يناهز ٢٠ مليار دولار منذ يونيو ٢٠١٣ من بلدان الخليج ذهب أغلبها فى دعم العجز المتزايد فى الموازنة، خاصة لتوفير الوقود المدعم، ولم يكن لهذه التدفقات أثر يذكر على فرص التعافى الاقتصادى كونها قد خصصت لدعم المصروفات الجارية الحكومية، ويرى الفريق المالى الصانع للسياسات الاقتصادية حاليا فى مصر أنه لا فرصة لاستعادة النمو بدون إعادة توجيه هذه التدفقات الدولارية من الخليج بعيدا عن سد العجز الحكومى إلى قطاعات استثمارية فى مشروعات كبرى تولد فرص عمل، وهو ما يبدو أنه محل اتفاق من الشركاء الخليجيين أنفسهم الذين يربطون دورهم المستقبلى بإصلاح أوجه الخلل الهيكلى فى مالية الدولة فى مصر.

•••

ومن هنا فإن الخطة الحكومية المصرية ترمى إلى أمرين يبدوان متناقضين ظاهريا هما إجراءات تقشف على مدى السنوات القادمة تخفض من العجز الحكومى وتقلل من حجم الدين العام وخدمته، ولكن دون التأثير على الطلب الكلى بإطلاق حزم تحفيز من أموال الخليج تذهب مباشرة للاقتصاد، وإن مرت على هيئات حكومية كتلك التابعة للقوات المسلحة كما رأينا فى مشروع المليون وحدة سكنية. إن الخطة تبدو شبيهة بتلك التى تم تبنيها فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى عندما أقدمت الحكومة المصرية آنذاك على إصلاحات هيكلية عميقة باستخدام التدفقات النقدية الضخمة التى حصلت عليها من الخليج وطبقا لاتفاق نادى باريس نظير اشتراكها فى حرب الخليج الثانية، وقد أدت هذه الإجراءات بالفعل إلى تخفيض العجز إلا أنها صوحبت بسنوات من الركود خاصة مع عدم القدرة على زيادة الصادرات للخارج، وهو ما لا يبدو أن النظام السياسى الجديد فى مصر بقادر على تحمل عواقبه فى المرحلة الراهنة، ومن هنا فإن كلمة السر فى استعادة النمو الاقتصادى، وفى إصلاح الخلل الهيكلى فى مالية الدولة هى الأثر المنتظر لتدفقات استثمارية خليجية ضخمة منتظرة فى السنوات القادمة، ومدى قناعة المستثمرين المحليين والأجانب بأن مصر تتجه نحو استقرار سياسى يبرر ضخ المزيد من الاستثمارات فى الاقتصاد.

التعليقات